اخر الاخبار

في مثل يوم أمس وفي طفولتي وصباي وشبابي حيث كنت أسكن عند تخوم البحر، في مدينة عقدتْ والماء قراناً أبديا، كنت أسمع البواخر تُطلق صفّاراتها ابتهاجاً بعيد العمّال العالمي، فيما تنتشر الزينة والأعلام واللافتات مهللةً ومباركة للعمّال بيومهم. لكنّي لم أجد عاملاً واحداً سعيداً في حياته وعمله منذ تلك اللحظة والى الآن!

 منذ طفولتي وأنا أسمع أبي ــ عامل الميناء ــ يشكو من الغبن والحيف الذي يلاقيه العمال على أيدي المسؤولين، ويتساءل: متى تُنصفنا الحكومة وتمنحنا حقوقنا التي شرّعتها كل دساتير الكون بعد صراعات وانتفاضات للعمال هنا وهناك؟ متى نشعر نحن أبناء الطبقة العاملة أن هناك مَن يتحسّس معاناتنا ويقف معنا ضد الجحود الذي نلاقيه من جانب المسؤولين في كل زمان؟

أبي عامل الميناء الذي رحل وغصّة تخنقه، وقلبه ينزف حرقةً وأسىً على سنواتٍ ضاعت وهو يكدّ ويكدح لأجل توفير لقمة العيش، لم يعرف أن النظام الفاشي أكمل في ما بعد استخفافه بالعمّال وبنضالهم ورمى كلّ تعبهم وتضحياتهم وراء ظهره، حين أعلن إلغاء قانون العمل وأصدر قراراً بتحويل العمّال إلى موظّفين، الأمر الذي زاد الطين بلّة!

ظلّ العمّال يعانون من القوانين الجائرة التي تحرمهم من حقوقهم، وما زالوا للآن في محنة رغم سقوط النظام الفاشي وذهابه إلى غير رجعة ، حيث أنّهم لحدِّ هذه اللحظة يعانون من القرارات الجائرة والمجحفة التي أقرّها النظام المقبور، إضافة إلى الأزمات المالية وصراعات الكتل النيابية وتأخر اقرار الموازنة وغياب الحسابات الختامية، ما زاد من معاناتهم أكثر فأكثر، فلا تعيينات ولا حقوق، والمصاريف اليومية في ازدياد، وأغلب المصانع والشركات متوقّفة عن العمل ونسبة البطالة في ازدياد يوماً بعد يوم، حتى وصلت في اخر احصائية الى سبعة ملايين عاطل!

عيد الأول من أيار الذي يمرّ كل عام، ونحتفل به، علينا أن نقف عنده ونفكّر طويلاً في اعادة هيبة العامل ومكانته من خلال منحه حقوقه كاملة وأكثر.. وتشريع قوانين تهتمّ بالعمال وتمنحهم حقوقهم من مخصّصات وعلاج صحّي وسكن لائق واحترام طلباتهم والأخذ بيدهم نحو تحقيق كل ما يصبون إليه.. كذلك منح الاتحادات والنقابات العمّالية فرصاً أكبر وأكثر للدفاع عنهم وتأكيد أحقيّتهم في التخصيصات والتعيينات وغيرها، لا أن نترك الحبل على الغارب متناسين ما حصل لهم بعد تحويلهم الى موظفين وإهدار حقوقهم وفق قوانين جائرة!

علينا أن نجعل من عيد العمّال عيداً حقيقياً لهم يتباهون به مثل كل عمّال العالم الذين منحوا الحقوق. فعمّالنا منذ سنين يعانون الغبن والحيف، علينا رفعه وتعويضهم عن كل شظف وحرمان وجور كانوا قد عانوه زماناً وما يزالون، كي نقول لهم بكلّ صدق: عيدكم مبارك أيها العمّال، يا مَنْ تبنون الوطن بسواعدكم وتضحيّاتكم الدائمة.

عرض مقالات: