اخر الاخبار

كانت ولا تزال كلمة “جهال” تطلق على الأطفال الصغار، وذلك لحداثة أعمارهم وتجربتهم في الحياة، وجهلهم أبسط الأمور. لكن الوقائع تبين العكس أحيانا، فهناك أشخاص كبار في السن وحتى مسؤولون في الدولة، لا يزالون يراوحون في مرحلة “الجهال”!

هذا ما لمسناه في تصرفات سياسيي الصدفة وهم يتعاملون مع المال العام، الذي تدفق على العراق بغزارة خلال فترة ارتفاع أسعار النفط، فتكالبوا عليه نهباً وتبذيراً من دون التفكير في ادخار مبلغ احتياطي مناسب تحسباً لأي مطب قد تتعرض له أسعار النفط، خاصة أن اقتصادنا ريعي، يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط. 

وبالفعل، حصل ما كان يُخشى منه، حين بدأت أسعار النفط بالتراجع بشكل متسارع، لتصل إلى درجة لا تتناسب مع حجم الانفاق الثابت، الأمر الذي اضطرنا إلى التجاوز على الخزين الاستراتيجي من العملة الصعبة والذهب، وكل ما يحمي عملتنا الوطنية. كما اضطرنا إلى الاقتراض الخارجي بشروط مجحفة، ستكبل اقتصادنا بقيود لا تحمد عقباها. 

عملية الاقتراض الخارجي المتواصلة، جعلتني أعود قليلاً إلى الوراء واتذكر أيام الطفولة إبان خمسينيات القرن الماضي، عندما كان أهلنا يمنحوننا انا وإخوتي الثلاثة 10 فلوس كمصروف يومي للمدرسة. وبعد مرور 20 يوما من الشهر يتقلص الـمبلغ ليصبح “عانة” أي أربعة فلوس، وقد تنعدم حتى هذه العانة في اليومين الأخيرين من الشهر، تماشيا مع ما تبقى من الراتب الشهري لمعيلنا. 

هذا التقليل التدريجي للمصروف، دفعنا أنا وإخوتي للتفكير في استحداث صندوق توفير صغير (حصّالة)، نودع فيه ما يمكننا إيداعه من الفليسات خلال الشهر، كي نسد العجز الذي يحصل نهاية كل شهر، ونتلافى الإحراج أمام زملائنا الطلبة ونحن نقف عند حانوت المدرسة، الذي اعتدنا ان نشتري منه يوميا اثناء الاستراحة قطعة حلوى أو بعض المعجنات.

الغريب في الأمر، اننا بالرغم من كوننا “جهال”، استطعنا أن نضع حلا لتجاوز أي مطب يعترض مصروفنا اليومي. واليوم نرى حكومة وبرلمانا ومستشارين ومجالس محافظات وغير ذلك، وكل هؤلاء لا يستطيعون أن يتخذوا إجراء احترازيا ازاء المطبات التي تعترض اقتصاد العراق، والتي نخشى أن تكون نتائجها مدمرة تلحق بالغ الضرر بمعيشة وكرامة ومستقبل شعبنا!