اخر الاخبار

قبل أيام قرأت تصريحاً لأحد المسؤولين حول بناء مجمّعات سكنية ومدن استثمارية في البصرة وغيرها من محافظات وطننا،

ولأني تخطّيتُ الستينَ عاما ولا أملك شبراً واحداً في هذه الأرض، أخذتني هواجس شتى وحكايات كثيرة ، حتى وصلت الى أواخر خمسينات وأوائل ستينات القرن الماضي ، حين بدأت حكومة الجمهورية الفتية باستقطاع مساحات في بغداد والمحافظات لتخصيصها كقطع أرضٍ سكنية للفقراء ولسكان الصرائف وذوي الدخل المحدود ، بعضها وُزِّعَ كقطع أرضٍ بنى فيها المستفيدون مثل مدينة الثورة والشعلة وغيرهما ، وبعضها الآخر تم بناؤه على شكل مجمّعات سكنية وُزِّعت على ذوي الدخل المحدود كالمعقل والأبلّة ودور الموانئ في أم قصر والفاو.  كذلك دور النفط وغيرها تمّ بناؤها وتوزيعها على ذوي الدخل المحدود من العمال والموظفين ، ومثلها ما انشأته مصلحة الموانئ، فازدهرت البصرة بمناطق الأبلّة وخمسين حوش وحي الشهداء وازدانت الحدائق  كالأندلس وشفقة العامل ومدينة الألعاب ونمرة أربعة وجزيرة السندباد ، وكنت تشمّ رائحة الشاموا وملكة الليل وأنت تمشي في شوارعها وبين بيوتاتها ليلاً وصباحا، كما أخذت التجارة والزراعة والصناعة  وأعمال العمران والبناء تتنامى يوما بعد آخر، فمناطق الجبيلة في البصرة وحي عدن وحديقة الأمّة والجبيلة في الفاو أيضا ، إضافة الى الحفلات والسفرات الترفيهية للمواطنين في الزوارق البخارية وعبر شط العرب وسباقات الزوارق وغيرها حيث صارت إيقونة فرحٍ في كل مناسبة تمر على البلاد !

حينذاك تنفس الفقراء وذوو الدخل المحدود الصعداء. إلاّ إن الأمور بدأت بالتدهور منذ أواخر السبعينات مع إشعال الحروب ونشر الموت المجانيّ والفساد والخراب ومعها تزايد نسب الفقراء والنازحين، وانتشار المجمّعات السكنية العشوائية والمخيمات النازحين وارتفاع الإيجارات.

كم سمعنا وقرأنا عن مشاريع سكنيّة عملاقة لبناء مدنٍ بطريقة الاستثمار، لكن الفقراء ومحدودي الدخل لن يتمكنوا من شراء غرفة واحدة في مثل هذه المشاريع نظرا لارتفاع أسعارها، وبالتالي تبقى مشاكل العشوائيات والإيجارات قائمة!

في كثير من دول العالم يتمّ بناء مجمعات سكنية لتوزّع على المواطنين الفقراء مجانا او بالتقسيط المريح، ما يجعلهم يلتفتون الى العمل والبناء لخدمة الوطن وازدهاره!

وفي دول أخرى يحصل العمّال والموظفون وشرائح المجتمع المهمشة على قطع أرضٍ للبناء عليها وتأمين سكن لعوائلهم!

الا عندنا في العراق،  فالدولة لا تؤمّن لمواطنيها حقوقهم في السكنٍ والعملٍ والعيشٍ الكريم، فيبقون يعانون بين مطرقة الفقر وسندان أزمة السكن. ويظلون يتطلعون الى قيام دولة تبني لهم ولأمثالهم مساكن واطئة الكلفة يستطيعون شراءها بالتقسيط.

فمتى تقوم مثل هذه الدولة الملبية لمطالب الناس والحريصة على سد احتياجاتهم؟ ولماذا لا نساهم جميعا في العمل على اقامتها عاجلا وليس آجلا، وتحويل مطالبنا المشروعة الى واقع ماثل وثابت؟

عرض مقالات: