اخر الاخبار

تفيد معظم الأبحاث عبر فحص ودراسات بحثية واستقصائية في خارطة الاقتصادات العالمية حجم الفروقات الكبيرة في مستوى تطور هذه الاقتصادات في جميع دول العالم بين مزدهر ومتنام بوتائر عالية ناتجة عن سياسات تتصف بالكفاءة في تنظيم الموارد وتنسيقها وأدارتها بطرق علمية وعفاف أخلاقي ونقيضها اقتصادات متردية مختلة البنية، ولعل من الأسباب التي أدت إلى تراجعها ندرة الكفاءة في إدارتها وانتشار الفساد بين ثناياها كطفيليات تعتاش على ما ينفق عليها والعراق مثال حي.

ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الاقتصاد العراقي ينتمي إلى النوع الثاني من تلك الاقتصادات وباستثناء البترول الذي يعد المصدر الرئيسي لتمويل حركة الاقتصاد، ومع ذلك فإنه متقلب في موارده بوصفه سلعة عالمية توثر فيه عوامل جيوسياسية، لكن الواقع يشير إلى اضطراب في أجنحته الثلاثة في قطاع الإنتاج الحقيقي السلعي والخدمي والنقدي والمالي وكلها تفتقر إلى السيطرة والانضباط. وبدون الدخول في العوامل والتحديات فإنه خليق بنا أن تتوقف عند أبرز هذه العوامل المتمثل بالفساد الذي تحول إلى منظومة لها قوانينها وأعرافها ويمكن ببساطة توصيفه بالطفيليات شأنها شأن الطفيليات النباتية.

والفساد في العراق قد استوطن في كافة قطاعات الاقتصاد وتجذر في أعماقها، فمنذ عقدين من الزمن وبلادنا الغنية بالبترول تغرق في مستنقع مقرف من أبشع أنواع الفساد استنزف معظم ايراداته ما تسبب بظهور طغمة مالية تهيمن على كافة الموارد فضلا عن أنها هي من ترسم سياسات الاقتصاد وتضع التشريعات التي تثبت أقدامها في السلطة تقابلها طبقات اجتماعية موغلة في فقرها الذي اتسعت طولا وعرضا حتى فاقت نسبتها 30 في المائة حسب العديد من المصادر والابحاث.

وقد اتخذ الفساد لنفسه مواطن واشكالا مختلفة وليس أدل على ذلك الكثير مما تنشره هيئة النزاهة والوثائق التي تتسرب إلى مجلس النواب بعشرات الألوف وكلها تدل على تهريب العملة إما عبر المنافذ الحدودية التي فاحت رائحتها  في فضائح سعر صرف الدولار الذي اتخذ مستويات مرعبة أو عبر نافذة البنك المركزي الذي شاعت فيها الوثائق المزورة سواء في الاعتمادات المستندية أو الحوالات، فما خرج من هذه النافذة من الدولات أكثر من 400 مليار دولار لغاية هذا التاريخ وأكثر من 85 بالمائة سرب إلى الخارج من المبالغ المباعة عبر الوثائق المزورة هذا فضلا عن تهرب ضريبي في هذه النافذة يصل إلى 8  مليارات دورات سنويا.وهذا هو الموطن الأول لمواطن للفساد.

والشكل الآخر من الفساد عبر العقود الحكومية ومن الأمثلة على ذلك صفقة أجهزة كشف المتفجرات التي استنزفت أموال ودماء العراقيين بلغت 400   مليون دولار وبسبب صفقات تسليح القوات المسلحة فقد خسر العراق حتى عام 2016 150 مليار دولار، وفي هذين العقدين حكمت الحكومة البريطانية على بائع صفقة المتفجرات بعشر سنوات، أما صفقة الأسلحة الروسية فقد حكمت روسيا على الفاسد الروسي أما الفاسدون العراقيون فلم تعرف الإجراءات التي اتخذت بحقهم وهذا موطن ثان.

إن عمليات الفساد تنتشر في معظم الوزارات فلا يمكن نسيان الفساد في وزارة التربية في عام 2013 في صفقة شحنات البسكويت التالفة التي كلف العراق 69 مليون دولار أو مدارس الهياكل الحديدية الممنوحة لشركات إيرانية في عام 2008 التي كلفت العراق 233 مليون دولار، إلا أن المشروع لم ينفذ دعك مما انفق في وزارة الكهرباء على مشاريع كلفت لغاية 2017 اكثر من 40 مليار دولار، هذا عدا المليارات التي انفقت على مشاريع الجباية التي سميت ابتداء بالخصخصة وكلفت الوزارة عشرات المليارات من الدولارات أسندت عقودها إلى شركات مقربة من متنفذي الوزارة وكانت نسب الإنجاز حسب تقارير ديوان الرقابة المالية متدنية جدا بالرغم من ان الأليات والموظفين من الوزارة نفسها وهذا هو الموطن الثالث. وفي ضوء هذه الفضائح التي لا تشكل الا غيضا من فيض من فساد الحكومات المتتالية فماذا ننتظر من هذه الحكومة أو من الحكومات القادمة؟

عرض مقالات: