اخر الاخبار

يتصاعد في هذه الأيام مستوى الأسعار ومعدلات التضخم وينتشر لهيبه، وأول الشرائح التي تكتوي هي الطبقات الفقيرة التي تسحقها ماكنة الاقتصاد المنفلت التي رسمت لوحتها القوى التي توزع بينها عوائد الدولة الريعية وتضع لنفسها نظما خاصة بالتوزيع عن طريق النظام الضريبي والعوائد الكمركية وعقود الاستثمار الوهمية منها والحقيقية وأنصبتها من الدولار من خلال نافذة البنك المركزي، بالرغم من أن هذا اللهيب ينال الشرائح الأخرى ولكن بنسب متباينة.

إن هذه الموجة في ارتفاع الأسعار التي  شملت المواد الاستهلاكية الأساسية آخذة في التصاعد، فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات التي أمست ظاهرة ثابتة تتصاعد يوما بعد آخر لأسباب عديدة لا حدود لها، فضلا عن أسعار الطحين التي انعكست على أسعار الخبز والصمون التي تمظهرت في انخفاض حجم الرغيف وعدد وحداته إلى النصف، وشملت كذلك زيت الطعام الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 200 في المائة، وكذلك الدجاج والبيض والأسماك والخضر التي تشكل جميعها السلة الغذائية اليومية التي تعتاش عليها العائلة العراقية، تضاف إليها أسعار الأدوية التي تضاعفت في الفترة الأخيرة والتي تحتكرها وتحدد أسعارها  مجموعة من مكاتب الاستيراد الخاصة.

إن ارتفاع الأسعار بهذا المستوى المثير للقلق لم يحدث من تلقاء نفسه بحيث يلجأ المسؤولون إلى تحميل قوانين الاقتصاد مغبته،  وإنما في حقيقته يعود إلى أسباب أخر وفي المقدمة منها قرار رفع سعر الصرف الذي اتخذه البنك المركزي بناء على اقتراح وزير المالية الذي كان يشكو من عدم توفر السيولة النقدية وما يترتب عليها تأخير صرف رواتب موظفي الدولة، لكن سعر الصرف وفق ما تقرر في حينه لم يستقر عند  المستوى الذي قرره البنك المركزي وانما أخذ في التذبذب صعودا ونزولا، وبطبيعة الحال فإن هذه التذبذب تقرره جملة من العوامل ومنها قيام عدد من المصارف الأهلية بتهريب الأموال بطرق وأساليب اعتادت عليها واكتسبت منها الدرس والخبرة، والسبب الآخر انسحاب بعض المصارف بسبب الأتمتة وعقوبات البنك الفدرالي الأمريكي، بالإضافة إلى مبيعات البنك المركزي التي ترتفع مرة وتنخفض مرة أخرى، زد على ذلك عملية طرح الدولار في البورصة وما يترتب عليه من التهرب من الرسوم الجمركية، بينما كان الأجدر تخصيص بيع الدولار للمستوردين الرسميين.  إن كل ما قيل ويقال فإن قرار سعر الصرف كان مرتبطا بالورقة البيضاء التي أعدتها وزارة المالية ووافقت عليها الحكومة لتصبح برنامجا اقتصاديا، والتي كان يؤمل منها تشجيع المنافسة بين قطاعات الاقتصاد  وصولا إلى تحقيق التوازن في السوق حسب مزاعم من وضع الورقة أو التي كان المفروض بالحكومة أن ترفع مداخيل موظفي الحكومة بنفس نسبة انخفاض قيمة الدينار، ومن الجدير بالذكر أن التلاعب بسعر الصرف عبر المضاربات المالية التي تقوم بها المصارف الأهلية التي تعود ملكيتها إلى أحزاب سياسية معروفة حاولت الهيمنة على سوق المال وحققت طفرات متميزة.

إن الحكومة العراقية الجديدة مدعوة لاتخاذ منهج مختلف عما سبق بعيدا عن الموسمية. وبهذا الخصوص نقترح ما يلي:

  1. رفع منسوب الخزين السلعي من مادة الحنطة وتوفير الكميات الكافية من مادة الطحين المدعوم لمواجهة الشحة المتوقعة على المستوى المحلي والعالمي والتقلبات في أسعارها التي تصاحبها تقلبات في أسعار النفط اللذين يسهمان في خلق أزمة اقتصادية اجتماعية تهدد الاستقرار المجتمعي.
  2. متابعة حركة السوق باستمرار من حيث وفرة المواد الغذائية المكونة للأمن الغذائي ومستويات أسعارها من خلال مراقبة منحنيات العرض والطلب وتأثيراتهما على حركة السلع والاسعار والابتعاد عن الاساليب القديمة التي تتمثل بالتصريحات الإعلامية التبريرية والإجراءات السطحية البعيدة عن جذور المشكلة.
  3. تفعيل دور اللجان الثلاثية المشكلة من قبل الحكومة والتي تتكون عناصرها من وزارة التجارة، الرقابة التجارية، والأمن الوطني، ودائرة الجريمة المنظمة، وفق تعليمات محددة وواضحة بعيدة عن الاجتهادات الشخصية التي تقلل من عزيمتها في تنفيذ الإجراءات وتراجعها أمام المغريات التي اعتاد كبار التجار على ممارستها وتقديم التقارير اليومية التي تحدد الإجراءات الحكومية والقضائية اللازمة.
عرض مقالات: