اخر الاخبار

 قال السيد رئيس الوزراء خلال زيارته الثلاثاء الماضي الى وزارة الداخلية ولقائه مع كادرها، ان حكومته لن تنشغل بمحاربة صغار الفاسدين، واستدرك ان “هذا لا يعني اننا سنتركهم، بل ستستمر السياقات والإجراءات بحقهم”.

وأضاف قائلا: “ لكن كبار المسؤولين الفاسدين يجب ان تكون لنا وقفة خاصة معهم، لانهم مسؤولون وأصحاب قرار، ولديهم صلاحيات واسعة وكبيرة وهم مخولون من قبل الدولة. واستطرد مضيفا “ان كبار المسؤولين يجب ان تتم محاسبتهم، لا اعفاءهم من مناصبهم فقط “.

هذا الكلام جميل ويحمل  اكثر من مغزى ومعنى، وهويؤكد ما سبق ان تحدث به العديد من القوى المدنية والديمقراطية وأطراف الحركة الاحتجاجية، منذ شباط ٢٠١١ مرورا بانتفاضة تشرين ٢٠١٩ وحتى يومنا هذا. وهو يقول بوضوح:

  • ان ملفات الفساد لا تقتصر على ما خف وزنه، وسهل التعامل معه، فمن الملفات ما هو كبيرة ايضا.
  • ان هناك بين الفاسدين من هم مسؤولون، وهؤلاء يجب التعامل معهم بنحو متميز، لانهم في موقع المسؤولية والقرار.
  • ان من الواجب عدم الاكتفاء باعفاء المسؤول الفاسد، بل ومحاسبته كذلك.

هذا الكلام لابد ان  تليه إجراءات وخطوات ملموسة، خصوصا بشأن الملفات الكبيرة التي تجري الاشارة اليها من دون الاقتراب منها! فكم من رئيس وزراء قال ان عنده مئات او آلاف الملفات، التي لو فتحت لقلبت الأمور رأسا على عقب ! لكنه “غلّس” بعدها، وتبين ان كلامه لم يكن الا للتهديد والابتزاز، ولم يفترن بالجدية اطلاقا، وربما العكس هو الصحيح.

من جانب آخر اذا كان كان لدى السيد السوداني هذا الوضوح بخصوص وجود مسؤولين فاسدين، فما الذي يحول دون إبعادهم أولا عن مواقع المسؤولية، ان كانوا لا يزالون فيها،  ثم المباشرة بمحاسبتهم على وفق القانون؟

فاليوم وبعد ٦ أسابيع من تشكيل الحكومة،  لم نلحظ سوى ابعاد عدد من المسؤولين والاتيان ببدلاء عنهم، بعضهم تثار تساؤلات جدية بشأنهم خصوصا لجهة الكفاءة والنزاهة، وقد يكون بعضهم فُرض على السيد السوداني بما لا يوافق رغبته، وهو الذي شغل مواقع عدة في الدولة ويعرف العاملين فيها جيد. لكن هذا في جميع الأحوال لا يعفيه من المسؤولية، فيبقى مطلوبا المزيد من الحزم والإرادة، والاستناد الى البعد الشعبي والجماهيري والى ضغطهما لفرض التوجهات السليمة، التي تستجيب لمصالح المواطنين على حساب تلك القوى والكتل، التي لا همّ لها الا مصالحها الخاصة وإدامة نفوذها وتنمية ثرواتها بمختلف الطرق والوسائل على حساب المال العام. وهذا أيضا ما يجري الكشف عنه الآن، ومنه “سرقة القرن”.

ولابد من الإشارة الى الكشف عن “سرقة القرن” مثلما لاقى ارتياحا وتعاطفا، اثار في الوقت ذاته قلقا جديا بشأن واقعية مواصلة التصدي لمثل هذه الملفات، وكشف كافة المشاركين في العمليات القذرة التي تنطوي عليها. وبضمن ذلك ما اُثير بشأن اطلاق سراح  المتهم الأول في هذه القضية  كفالة، ومدى صدق التوجه نحو كشف جميع الأسماء ذات العلاقة، واسترداد الأموال المسروقة والمنهوبة ومنها المحوّلة الى عقارات  وممتلكات، لاسيما وان الدفعتين الأولى والثانية المعلن عنهما من الأموال المستردة، لا تشكلان الا نسبة متواضعة جدا من المبلغ المسروق، الذي تعهد رئيس الوزراء في ٢٧ الشهر الماضي  باسترداده  كاملا خلال أسبوعين، ينتهيان هذا اليوم! 

وجدير بالذكر أيضا ان مبلغ ٢٫٥ مليار دولار (وقيل انه خمسة مليارات، وفي تقديرات أخرى انه يصل الى ١٢٫٥ مليار دولار)، هو مبلغ كبير نسبيا سُرق نتيجة تواطؤ جهات حكومية عدة، لكنه يبقى صغيرا بالقياس الى التقديرات التي قالت ان العراق فقد اكثر من ٥٥٠ مليار دولار على مدى السنوات السابقة.

وهكذا وعلى أهمية استرداد هذا المبلغ او غيره، يبقى التساؤل الكبير والملحّ : متى يأتي دور الملفات الكبيرة؟ ويطبق مبدأ “من اين لك هذا” على الجميع؟ ومتى يتم ابعاد الفاسدين عن مواقع المسؤولية، واسناد هذه المواقع الى ذوي الكفاءة والمهنية والنزاهة؟!

عرض مقالات: