اخر الاخبار

هل كنّا نحلمُ ونعيش الحلم  حقيقة ؟!

أم انها الحقيقة كانت حلماً ؟! أم كنا نعيش الحالتين معاً ؟! تساؤلاتٌ سكنتنا منذ الطفولة ، وما تزال تسكننا ، لنعيد حكاياتها كل عام ،، 

عندما كنت صغيرا كنت اقف مندهشا امام صورة بين طائري طاووس تزين زجاج ابواب (مِحْمَل) زوجة ابي ــ المِحْمَل يشبه المكتبة الصغيرة لكنّه يضمّ بداخله الصحون والكؤوس وكل الزجاجيات التي يحتاجها المطبخ ــ كذلك كانت بعض الصحون قد نُقشت تلك الصورة  بداخلها، كان ذلك في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، كنت أحدّق في الصورة كثيرا...لم يخبرني لحظتها أيٌّ من أهلي هذه الصورة لمن؟! ، الطاووسان يقفان على غصنين متقابلين والصورة التي بينهما قد مُسِحَ وجهها بالصبغ،لأنّ المِحْمَلَ موضوعٌ في الغرفة ومعروض للناظرين، امّا الصحون فالصورة فيها على حالها (رجل بزي عسكري وعينين متقدتين تنظران الى الافق)..ذات مرة سألت امي :ــ لمن هذه الصورة ؟! أطرقت قليلا وقالت : لا تسأل ثانية.

 أخذني الفضول الى ابي فسألته وألححت كثيرا ...أجابني: يا بني انها لرجل أحبّه الفقراء لأنه كان منهم واليهم، غَيَّر تاريخ العراق من الحكم الملكي الى الجمهوري ،أصدر قوانين خدمت الشعب وما زال الشعب يتنعم بها، لم يمتلك بيتا ولا مالاً ولا عقارات او أرصدة في البنوك العالمية، بنى بيوتا بل احياءً للفقراء المعوزين ومنح الفلاحين حقوقهم المغتصبة ووو... الخ.. تحدث ابي كثيرا وخلال حديثه كنت ارى دمعتين تتلألآن على خديه..

 قلت له : اين هو الان ولماذا صورته التي في واجهة (المِحْمَل) مصبوغة ؟!..أجابني : يا بني قتله الذين لا يريدون لهذا الشعب والبلد خيرا. كانت امي تُصغي لحديثنا فاعترضت حديث ابي قائلة: إنّه لم يُقتل ، بل ذهب الى مكان ما والناس تقول انه في القمر ساكن ويرون صورته كلما صار القمر بدراً، وقد صبغنا الصورة لان الظالمين يعتقلون ويعدمون كلّ مَنْ يعثرون عليها في بيته...

مرّت الايام والسنون وظلّت الصورة وصاحبها تسكن قلبي كما كانت في قلب ابي وأمّي وزوجة ابي والآخرين، بل وتسكن القمر! وقد تذكرت الصورة تلك وما دار بيني وبين أبي وأمي من حديث وأنا أحضر قبل يومين احتفالية بذكرى ثورة 14 تموز واستذكار قائدها الشهيد ،، وهذا دليل واضح وملموس يؤكد إنّ مَنْ يُحبّ الناس ويخلص لهم ويخدمهم ، ومَنْ يكون أميناً وحريصاً على شعبه ووطنه ،، ومَن يقوم بمهام المسؤولية الملقاة على عاتقه بكل نزاهة وشرف وإخلاص، يبقى خالدا مهما تبدلت الظروف واشتبكت المِحَن ودارت السنون...الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، على كل ما عليه، لم يكن رئيسا لوزراء العراق فقط، بل كان خادماً وبانياً، بنى البيوت للفقراء وسن القوانين التي تخدم الناس جميعا، وعاش واستشهد نزيهاً مخلصاً لناسه ووطنه.

لهذا ظل حيا في ذاكرة الناس.. اتمنى ان يَعي درسه الاخرون ويأخذوا من شِيَمه الشيء القليل..

لك الرحمة وأطيب الذكر ايها العراقي النبيل، وما احوجنا اليوم الى امثالك ورفاقك ؟!

عرض مقالات: