اخر الاخبار

ظهرت في بداية الستينات من القرن الماضي وربما قبل ذلك بسنوات، لعبة شدتنا نحن الأطفال وهي على شكل قرد أصفر، كلما رميته من قدميه يقف على رأسه وإذا رميته من رأسه يقف على قدميه. ونحن مبهورون فيها، وكلما تكسرت إشترينا أخرى، غيرأنها أختفت من الأسواق، وفسر الكبار في ردهم على لجاجتنا أن منعها كان لأسباب سياسية، ولكننا لم نفهم علاقة الحكومة والسياسيين بلعبة تجلب لنا البهجة! 

حين كبرنا عرفنا ما أراد قوله الكبار، وأسباب حرماننا من لعبة تثير الكركرات، وعرفنا أيضا أن هنالك لعبة حقيقية في الواقع مماثلة لها تثير القرف والحزن والبكاء أيضا، كما يعد ذكرها (تهمة سياسية) وسخرية من الحكومة والمسؤولين. 

 ولعبة القرد الأصفر وجدناها، في فضيحة تسلل (طفل متسول) كما قيل إلى الطائرة في النجف بعد أن إجتاز كل الحواجز الأمنية دون توقف، والطفل استطاع بفعلته غير المقصودة أن يعلن للجميع أن الامبراطور عار، كما في قصة (ثياب الامبراطور الجديدة) للكاتب الدانماركي هانس أندرسن، حين أوهمه خياطان محتالان بأن يصنعا له بدلة جديدة خفية لا يراها الذي لا يصلح لمنصبه أو الاحمق وعديم الكفاءة. ولم يتجرأ أحد من الجمهور قول الحقيقة وهو يراه عاريا سوى الطفل.

 وعلى صعيد آخر، كشفت الحادثة حقيقة أيضا معروفة للقاصي والداني يجري التغاضي عنها، وهي مصائر الملايين من الاطفال الذين تسربوا من المدارس للعمل في الأعمال الشاقة لمساعدة ذويهم أو التسول أو الإنضمام لعصابات الجريمة المنظمة، وهذا الطفل واحد منهم. في الوقت الذي اشارت دراسة للبنك الدولي إلى تدني مستوى التعليم، وأن نسبة عالية من الاطفال لايفهمون ما يقرأون.

الجهات المسؤولة في المطار تعمل على لملمة آثار الفضيحة، بدون أن تهتم بالطفل نفسه (بطل الحادثة) ولماذا في محافظة غنية بسياحتها الدينية، والأموال التي تصل إليها، لا يجد العديد من الأطفال ما يسد رمقهم؟ فلم يسأل أحدهم من المسؤولين نفسه، لماذا لم يكن الطفل على مقاعد الدراسة مع أقرانه؟ ومن يسهم في هدر كرامته وطفولته بالتسول؟ 

أود من كل قلبي أن تصنع ثانية اللعبة، بعد أن مللنا لعبة القرد الحقيقي، لأنها لا تثير ضحكنا كبارا كنا أم صغارا، كما أننا لا نستطيع أن نرميها على الأرض ونلوثها بالتراب، فدوننا حماية مدججة بالأسلحة، وربما نجد في اللعبة تعويضا معنويا، مثل الإنسان البدائي حين يرسم الحيوان البري قبل أن يفكر بصيده أو يتغلب عليه.

عرض مقالات: