اخر الاخبار

عندما كنت صغيراً، كان أبي يأخذني معه إلى المجالس الرمضانية التي تقام في قريتنا الواقعة تخوم البحر، كنت أستمع بإصغاء تام لما يُطرح في هذه المجالس من كلام عن شخصية الإمام علي بن أبي طالب، وعن أسلوبه في الحياة والحكم، وكنت حينها أذوب في زهده وعدالته وإنسانيته وحبّه ورعايته للفقراء واليتامى حدّ التماهي. 

وما أن كبرتُ وتعلّمت القراءة حتى سارعت إلى ما كُتبَ عنه، وانا ابحث في التاريخ والأدب والاجتماع والفكر وغير ذلك. كنت شغوفاً بهذه الشخصية حدّ التجلّي في محبّته، وصرتُ أحلمُ بحاكم أو مسؤول يأتينا مثله، ليس في إدارة الدولة فحسب بل في الميادين الاخرى ايضا. وكنت أقارن بينه في ضوء ما قرأت وسمعت عنه، وبين مَنْ يتقلّدون زمام أمور البلاد والعباد عندنا .. وأبكي، أبكي على العدالة المفقودة، والإنسانية الضائعة في خضمِّ المصالح الأنانية، والاستحواذ على كل شيء،، وسلب حقوق الناس بالقوة، والظلم الذي تعيشه البشرية سواء عندنا أو في بلدان أخرى، وأقول في نفسي : لماذا لم يأتِ إلينا حاكم عادل وإنساني مثل علي بن أبي طالب ؟!

وعندما كان يحدّثني أبي عن أيام حكم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، كنت أقول: يا الهي هذه بعض من صفات ونزاهة الإمام علي في الحكم!

لكن وللأسف مثلما حورب علي من طرف الفاسدين والطامعين في زمنه، حورب الزعيم .. وقتل الاثنان بسيوف ورصاصات الغدر والكراهية وحب التسلّط .

لم يأتِ للأمّة بشكل عام ولوطننا بشكل خاص حاكم يحمل قليلاً أو بعضاً من سجايا علي، بل حكّام دمويون وفاسدون وعملاء مأجورون ولصوص يسرقون الكحل من عيون الصبايا والفرح من قلوب الناس، فماجت البلاد وغرقت الناس بأنهار من الدماء والحروب والضياعات والسجون والمنافي والمقابر الجماعية. ثم اننا ما أن انقشعت الغيمة السوداء التي كانت جاثمة على نفوس الناس، وبانت بعض خيوط شمس الحرية التي كنّا ننشدها بعد سقوط النظام الفاشي، حتى دخلنا في دهاليز مظلمة ومرعبة من الفوضى والفساد والاحقاد الطائفية والإرهاب والموت المجّاني والقتل والفساد والخراب في كل مفاصل الحياة، فصرنا نناجيه بصوت الشاعر مظفّر النوّاب :

أنبيك عليّاً ..

ما زلنا نتوضأ بالذلِّ، ونمسحُ بالخرقة حدّ السيف

ما زالت شورى التجّار تراك زعيماً للسوقيا

لو جئتَ اليوم ..

لحاربك الداعون إليك وسمّوكَ شيوعيا!

عرض مقالات: