اخر الاخبار

تعد الكفاءات العلمية المهاجرة قسرا أو المهيأة للهجرة في معظم النظم الاقتصادية في العالم، إحدى أهم ركائز عملية التنمية المستدامة وأن استثمار هذه الموارد في عملية إعادة البناء تعتمد قبل كل شيء التركيز على قيمة القدرات الفكرية لديها وفي نفس الوقت النظر إلى الكفاءة العائدة كضرورة حاكمة في كافة العمليات التي تدخل فيها بوصفها تعليما وتدريبا واختراعا وابتكارا.

   لقد تعرض العراق خلال العقود الاربعة الماضية إلى ظروف ممعنة في قسوتها قادت إلى  هجرة عشرات الألوف من العقول العلمية والمواهب إلى مختلف دول العالم وخاصة الدول الغربية المتطورة التي قدمت للمهاجرين أفضل أسباب التوطين والاستثمار وتبوأ الكثير منهم مواقع مهمة وابدعوا في انجازاتهم هناك في قطاعات الادارة والاقتصاد والطب، فعل سبيل المثال لا الحصر نشر موقع Inside Arabia   الامريكي في تقرير له قبل عشر سنوات حيث أجرت منظمة الهجرة الدولية  (IOM)  بالتعاون مع وزارة الخارجية البريطانية وقدرت ان نسب الشباب العراقيين  الراغبين في  الهجرة تصل إلى 99 في المائة .

   إن معظم أشكال الهجرة من العراق كانت قسرية لجملة من العوامل تقف في مقدمتها العوامل السياسية التي تتمثل بغياب حرية التعبير التي رافقتها أساليب القمع والترهيب فضلا عن الحرب الطائفية التي اجتاحت العراق عامي 2006و و2007 بدفع وتحريض خارجي تضاف لها العوامل الامنية بعد اجتياح العراق المنظومات الارهابية المدعومة خارجيا بما فيها دول الجوار وكلها تستهدف تركيع العراق وابقائه في أسوأ حالاته رغم الموارد الكبيرة التي دخلت في خزائنه، يضاف لهذه العوامل غياب الادارات الكفؤة التي تحولت إلى عوامل طاردة للكفاءات والهدر الكبير في الانفاق الكلي الذي وفرته الموازنات السنوية بسبب الفساد المستشري في أجهزة الدولة مما ترتب عليه ضعف المردود المادي لأصحاب الكفاءات العلمية وانخفاض المستوى المعيشي وانعدام الاهتمام بالكفاءات الواعدة .

إن موجات الهجرة التي تعرض لها العراق لم تحصل دون ان تترك خلفها آثارا ومضاعفات وجدت انعكاساتها على مجمل أوضاع وقطاعات الاقتصاد والمجتمع وتتجلى في ضياع الجهود والتكاليف المادية الهائلة المبذولة في إعداد هذه الكفاءات وخاصة النادرة منها مما جعلها والحالة هذه جاهزة للاستخدام في دول المهجر وتبديد الموارد الانسانية والمالية التي انفقت على تعليمها وتدريبها وتطويرها علما وخبرة فضلا عن ذلك اضعاف وتدهور الانتاج العلمي والبحثي مقارنة بما متوفر في بلدان اللجوء.

لقد بذلت الحكومة العراقية على استحياء في استقطاب بعض هذه الكفاءات فقد تبين من إحصاءات وزارة الهجرة والمهجرين أن عدد الكفاءات العائدة للفترة من عام 2003 و2018 بلغ 3933 كانت نسبة الذكور 80،9 في المائة فيما كانت نسبة الاناث 19،1 في المائة بينهم 48،8 من حملة الدكتوراه و42،8 من حملة الماجستير و8،4 حملة الدبلوم العالي.

 إن الدولة العراقية بكافة وزاراتها ومؤسساتها المعنية بعودة الكفاءات مطالبة بوضع استراتيجية خاصة بمعالجة عودة الكفاءات والاحتفاظ بالكفاءات المتواجدة في الوطن والتي تقاسي ظروفا صعبة تجعلها مهيأة للهجرة مع توفير كل المستلزمات الضرورية لتنفيذها، وهنا مقترحان:

  1. تشريع القوانين وسن التعليمات الخاصة بحماية الكفاءات العلمية الموجودة وضمان مستوى معيشي مانع للتفكير بالهجرة وحمايتهم وحماية العائدين من اي شكل من اشكال التهديد والابتزاز وان تشتمل هذه التشريعات على تشجيع الكفاءات المهاجرة التي توفر لهم كل حوافز العودة الطوعية واتاحة الفرصة أمامها للأبداع والتطوير والتعامل معهم كثروة وطنية لا يمكن التفريط بها.
  2. ضمان حرية التفكير والابداع وايجاد المناخ المناسب أمام الكفاءات العائدة وتمكينها من تقديم عصارة افكارها وخبرتها في عمليات البناء الاقتصادي والعلمي والاسهام الفعال في معالجة المشاكل الاجتماعية المتراكمة.
  3. العمل على تنظيم مؤتمر للمغتربين العراقيين لمناقشة اوراق عمل تعدها المؤسسات الحكومية تبحث في العوامل والشروط الضرورية لعودة الكفاءات العلمية في مختلف الميادين وكل ما من شانه تحفيز عمليات التنمية المستدامة ووضع توصياتها موضع التنفيذ.
عرض مقالات: