اخر الاخبار

لكي لا يدخل في دائرة النسيان ينبغي التذكير بمؤتمر بغداد لاسترداد الأموال المنهوبة الذي انعقد في بغداد في الخامس عشر من شهر ايلول عام 2021 بمشاركة الجامعة العربية والعديد من المندوبين المفترضين. وقد شكل انعقاد هذا المؤتمر خطوة مهمة على طريق استعادة الأموال المهربة من قبل الفاسدين ذوي المقام العالي في الدولة العراقية الذين يحتلون مراكز وظيفية مهمة بالغة التأثير.

ان عملية التهريب من قبل الفاسدين لم تكن تحصل لولا وجود مرشدين وأدلاء ودول تسمح نظمها السياسية والمالية باجتذاب الأموال المهربة مقابل حوافز واغراءات من قبل أجهزة مصرفية تتمتع بنفوذ سياسي في بلدانها وانظمة وقوانين تسمح لها بإيداع الأموال المهربة من مختلف الدول وخاصة الدول التي تتمتع بتدفقات مالية تفتقر إلى الرقابة الحازمة والقوانين الرادعة التي لا يمكن تخطيها والعراق مثالا بحسب التقارير الدولية.

لهذا كان المطلوب ترجمة توصيات مؤتمر بغداد آنف الذكر وهو ما  تم أخيرا في  نجاح العراق في اختراق السرية المصرفية الدولية بطريقة قانونية فقد كشفت هيئة النزاهة الاتحادية بتاريخ الخامس من شباط من هذا العام في بيان لها  تمكن العراق لأول مرة من اختراق هذه السرية عبر جهود هيئة النزاهة وصندوق استرداد أموال العراق، وفي بيانها أشارت إلى أن الاختراق تم من خلال اجراءات قانونية تمكن العراق بموجبها من الاطلاع على محتويات الخزينة في سويسرا،                  وعلى الرغم من اقتضاب هذا البيان وعدم ذكر التفاصيل الكاملة عن ثمار هذا النجاح من حيث حجم المبالغ المودعة وما اذا كانت تعود لأزلام النظام السابق أو الأموال المهربة بعد عام 2003 وحجم المبالغ التي يمكن  استردادها  في الحالتين، ومهما يكن من أمر هذا النجاح  فان الوصول إلى مثل هذا الاختراق وبطرق قانونية يضع أمام الحكومة العراقية والجهات المصرفية الساندة خيارا يمكن تكراره  مع دول أخرى سيما وأن المبالغ المطالب بها هي مبالغ كبيرة تمكن العراق من التعويض عن الخسائر التي تكبدها نتيجة عمليات الفساد المنظمة وإعادة توظيفها في المشاريع المتوقفة في البنى التحتية او في استراتيجيات التنمية المستدامة التي يجري التخطيط لها في المستقبل .

لقد سبق   لهيئة النزاهة بالتنسيق مع وزارة العدل العراقية والبنك المركزي وهيئة المساءلة والعدالة ودوليا مع الشرطة العربية والدولية (الانتربول /منظومة النشرات الدولية ) ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي، إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج ملموسة تتناسب مع حجم الأموال المهربة  بسبب حجم الفساد المتنامي في الداخل وقلة البيانات  عن أماكن الأموال المهربة، والدليل على ذلك فان بيانات هيئة النزاهة التي تنشرها باستمرار  تشير إلى أن حجم الأموال المهربة من قبل الفاسدين بعد عام 2003 نحو 350 مليار دولار أي ما يعادل 32 في المائة من ايرادا العراق خلال سبعة عشر عاما واذا ما حسبنا ما في بيانات الهيئة المعلنة تلك سواء المتعلقة بالقرارات القضائية الصادرة بحق الفاسدين بمن فيهم الهاربين 64 وزيرا ومن بدرجتهم وذوي الدرجات الخاصة والمدراء العامين مع 257 ملفا لاسترداد الأموال المهربة فلا يمكن وصفها الا  بحريق يلتهم الأموال العراقية التي لا تخص الاجيال الحالية وانما الاجيال القادمة .

وبناء على ما تقدم  فان الوصول إلى اختراق السرية المصرفية في سويسرا لوحدها  لا يمكن عده  صك اطمئنان  دون الأخذ بالاعتبار اختلاف النظم والقوانين بين ملاذات التهريب في دول عربية أو اجنبية والعمل على ايجاد  السبل القانونية المناسبة لتحقيق خرق في تشريعات تلك الدول فعلى الصعيد العالمي مثلما  تؤسس تحالفات خاصة بتهريب الأموال أو عرقلة استردادها  بالمقابل ايجاد البدائل   الكفيلة بتسهيل استردادها، وكما ليس بالمستطاع تجفيف المياه الآسنة دون تجفيف مصادرها لهذا فليس بالمستطاع استرداد الأموال المهربة  دون التصفية التامة  لمنابع الفساد وقواه السياسية  الفاعلة  في الداخل .

عرض مقالات: