اخر الاخبار

تعتبر الوفرة المالية في أي بلد من العالم صغيرها وكبيرها القاعدة الأساسية في التخطيط لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق بيئات الرفاهية للناس وتخليصهم من براثن البطالة والفقر وتحصنهم من الانزلاق في عالم الجريمة شريطة وجود تخطيط علمي وحكومة قوية عادلة وشعب منتج لتحقيق هذه الاهداف النهضوية.

وفي بلادنا، بصرف النظر عن مراحل حصلت فيها تدابير نهضوية جرى الالتفاف عليها لاحقا من خلال حروب همجية، تحققت في مرحلة لاحقة وفرة مالية ما كانت متوقعة حتى في الأحلام لكنها ظلت محاطة بالكتمان من قبل الاجهزة الحكومية المسئولة لغايات في نفس يعقوب وما كان من السهل الدخول في تفاصيلها من قبل الباحثين الاقتصاديين. 

غير أن الأرقام التي صرح بها البنك المركزي بوصفه المسئول عن ادارة الحسابات الخارجية لوزارة المالية، في خطوة متأخرة جدا، كانت صادمة بحق وهي كافية لوضع المسئولين عن ادارتها في دائرة الإهمال.  فظهر من تصريحات البنك المركزي أن مجموع الايرادات من العملة الاجنبية للفترةمن 2005--- 2017 بلغت أكثر من 706 مليار دولار امريكي وأن مجموع ما أنفق منها خلال نفس الفترة أكثر من 703 مليار دولار وأن نسبة المنفق من الايرادات الاجنبية تشكل 99،5 في المائة من حجم الايرادات الكلي. واظهرت التصريحات أن التنفيذ المالي للموازنات السنوية بلغ 488،6 مليار دولار ما نسبته 69،5 في المائة وزاد ان الاستيرادات الحكومية عن طريق مصرف TBI بلغت 157 مليار دولار فضلا عن أن تكاليف عقود التراخيص كبدت الدولة 41،5 مليار دولار كما أن المدفوعات العسكرية بلغت 41،5 مليار دولار ولم يكتف البنك بعرض هذه الارقام بل زاد عليها أنه في عام 2012 دخل إلى العراق أعلى وارد سنوي حيث بلغ 106،23 مليار دولار وأعلى إنفاق في عام 2013 بلغ 97،45 (نمو سالب).

إن الاستنتاج الصادم المستخلص من هذه الارقام ينطوي بالاساس على عملية نهب منظم للمال العام من خلال تفاصيل الإنفاق الكلي التي لم تظهرها احصاءات البنك المركزي هذا أولا، وثانيا عجز البرلمان عن أداء دوره الرقابي على أداء الحكومة بكل أجهزتها بل ومشاركة العديد من أعضائه في منظومة النهب، وثالثا البرلمان في كافة دوراته امتنع عن مناقشة الحسابات الختامية التي أكدنا عليها في هذا المكان مرارا وتكرارا عند مناقشة الموازنات السنوية. ولا شك أن وزارة المالية هي الأخرى تتحمل المسئولية المباشرة عن عدم قيام ديوان الرقابة المالية بتحضير هذه الحسابات بسبب تقصير الوحدات الحسابية المنتشرة في معظم أجهزة الحكومة قبل مناقشة الموازنات لكي تتضح أوجه صرف الإنفاق وآلياته مما تسببت في سرقة وإهدار المال العام.  ان هذه العيوب وإن أخفتها تلك الأجهزة فان رائحة فسادها أزكمت الأنوف وتسببت في فقر الخدمات لدرجة انعدامها احيانا مما نضجت حركات الاحتجاج منذ تسع سنوات والتي أدارت لها الحكومة ظهر المجن.

  إن أية حكومة جديدة تخرج من خيمة الانتخابات المبكرة التي أعد لها بفعل الحركة الاحتجاجية الشبابية مدعوة للأخذ بكل هذه الحقائق بعين الاعتبار في برامجها المستقبلية وخاصة كيفية إدارة الموارد المالية التي ستدخل إلى خزينة الدولة ومتابعتها بحرص عال والا سيكون مصيرها كسابقاتها مما يتوجب عليها اتخاذ إجراءات حازمة في اوجه عديدة نذكر منها:

  1. تفعيل دور الأجهزة الرقابية في تشديد عمليات الرقابة على حسابات الدوائر الحكومية في اوقات متقاربة وعرض تقاريرها على الحكومة ومجلس النواب تمهيدا لعرض ملفات الفساد والهدر المالي على القضاء العراقي بدون تأخير.
  2. لزوم قيام البرلمان بدراسة الموازنات السنوية على اساس البرامج بالارتباط مع دراسة الحسابات الختامية للاطلاع على طريقة وأوجه صرف الانفاق العام المقرر في الموازنات السنوية التي قبلها.
  3. قيام البنك المركزي ووزارة المالية بكشف الإحصاءات المالية للرأي العام من ناحيتي الايرادات والنفقات أولا بأول وإتاحة المعلومات للباحثين في الشأن الاقتصادي من الأكاديميين والدارسين ومراكز البحث العلمي.
عرض مقالات: