اخر الاخبار

ما أن بدأت الشمس ترسل تباشيرها، حتى هرع عليٌ وعمر إلى الساحة ليلتحقا بزملاء (الكار) من الكادحين، الباحثين عن لقمة عيش يسدان بها رمق عائلتهما، ويدفعان عنها غائلة الفقر والمرض بما يكسبانه من بيعهما الشاي والكعك!

علي طالب جامعي وعمر أكمل دراسته لكنه لم يحظ بفرصة تعيين منذ سنتين، وهذا ديدنهما منذ أكثر من خمس سنوات، بعد أن أعجز المرض أباهما واقعده عاطلا عن العمل، ما حدا بعمر وأخيه أن يمارسا مهنة بيع الشاي والكعك في الساحة!

ملَّ عمر من مراجعة الدوائر والمؤسسات بحثا عن فرصة تعيين تدفع شبح العوز عن العائلة ، لأن التعيينات تحتاج إلى سندٍ قوي وواسطة  يعرفها الجميع ، وهو لا يملك سوى انه ابن هذا الوطن ومتزوج حديثاً، وهذه ما تاكل في عرف الفاسدين، الذين فصّلوا القوانين على مقاسات مصالحهم. لهذا حمل قوري الشاي وصينية الكعك ليجلس على الرصيف ، ولأجل أن يكون الوارد أكثر فائدة للعائلة شاركه أخوه الطالب الجامعي  في العمل. فأخذا يداومان في الساحة من الغبشة وحتى المساء ليعودا حاملين ما جاد به السوق لزوجتيهما وابيهما واخوتهما وأمهما المريضة بالضغط والسكّر، والتي توصيهما كل صباح أن يبتعدا عن المشاكل مهما كان نوعها حفاظا عليهما، وترفع كفّيها بالدعاء لهما صباحا ومساءا !

ظلّا على هذا الحال أكثر من أربع سنوات حتى اصبحت عندهما عربة تحمل ما يبيعانه من أنواع الكعك والشاي والحامض!

سنتان من الأمن والهدوء سادتا البلاد ولم يسمعا فيها دوي انفجار، لكنهما يسمعان تصريحات السياسيين والمسؤولين النارية، ووعودهم العرقوبية وما إليها من أخبار تأخذ البلد شرقاً وغربا. وحين هبّ الشباب منتفضين يطالبون بوطنٍ حرٍّ آمن يعيش المرء فيه بلا منغصات وأزمات، كان عمر وعلي يمنيان النفس بوطن كهذا!

حلما أن يأتي يوم الانتخابات المرجوّة قريبا،ً ليكّحلا عيونهما بما يتحقق من أحلامهما الوردية في التعيين والعيش الرغيد!

خرجا كعادتهما فجرا تاركين زوجتيهما الحالمتين كذلك، ليزاولا عملهما اليومي مكحّلين عيونهما بشمس بغداد الدافئة المغناجة، واقتعدا الرصيف بعربتهما، لكن للانتخابات المرجوة حقاً ضريبة لابدّ أن يدفعها الحالمون بغد جميل وسعيد!

دوى الانفجار الاول فسقط على أثره عليٌّ، فهرع إليه عمر راكضا صارخا: يا خوية انكسر ظهري، متحسسا جسم أخيه المضرّج بالدماء.. وهنا دوى الانفجار الثاني فطارت أشلاؤهما معاً، لتتعانق روحاهما مرتفعتين إلى السماء تشكوان فساد المتحاصصين الذين أودوا بالوطن خرابا وموتا!

لقد دفع علي وعمر ضريبة عشقهما لوطنٍ لم يرحمه الفاسدون أبداً، وتركوهما للعوز والفقر منذ صغرهما!

إنها ضريبة الفقراء في وطن أضاعه هؤلاء الفاسدون، وظلوا وما زالوا يمنعون ابناءه النجباء من استعادته!

عرض مقالات: