اخر الاخبار

سأتصرفُ بالمثل المعروف (أواعدك بالوعد وأسقيك يا كمّون) وأغيّر جوابه إلى (أسقيك خراباً) لينطبق علينا بكلّ حروفه ومعناه!

فمنذ عام 2003 وبعد سقوط النظام الفاشي المقبور، انهالت الوعود علينا من كلّ مَنْ جلسَ على كرسي الحكم وتسلّمَ زمام البلاد والعباد، فجعلتنا نحلم ونحلم ونحلم، وكأننا بين ليلة وضحاها سننسى كلّ ما مرَّ علينا من ضيم وقهر وظلام، بفعل ما سيكون بعد التغيير والتحوّل نحو الأحسن والأفضل في كل شيء. وستعمّ السعادة البلاد وتمتلئ النفوس والقلوب بالمحبة وتسمو الأخلاق عاليا عاليا، ويسدل الستار على ليل الظلم والحروب والموت والخراب والخوف والقلق!

لكن أحلامنا هذه أضحت سراباً، وكل ما تمنينا أن يصير لم يتحقق أبدا، واتّضح أن الوعود عرقوبية، فصرنا نتلمس طريقنا عبر دهاليز مظلمة. ازداد الخوف والرعب بفعل الإرهاب والقتل العشوائي والموت المجاني، فهاجرت العقول وطارت العصافير وماتت الأحلام في مهودها. وتحوّل نهارنا وليلنا إلى دمٍ يسيل في الشوارع، ومدنٍ مدمرة، ورائحة فسادٍ تزكم الأنوف، وذهب كل شيء حَلُمنا ان يتحقق بعد انقشاع الغمّة أدراج الرياح!

 لكن ما زلنا متشبّثين بما بقي من أحلام ، عازمين على جعله يزهر ويثمر!

صحيح ان صناعتنا كلّما تنهض هناك مَنْ يقوّض نهوضها، وانعدمت الزراعة فصرنا نستورد حتى الطماطة والكرفس وقبلها الماء العذب، ومستقبل أبنائنا بات مجهولا أمام تدهور التربية والتعليم وسوء الخدمات وانتشار المحسوبية والمنسوبية والحزبية والفئوية في كل زوايا ومفاصل البلاد!

وصار الرصاص يلعب في أجوائنا كلما دقت أبوابنا بشائر فرحٍ ما، أو فُجعنا بمصاب جلل!

كذلك تغيرت أخلاقنا وصار الأخ لا يحبّ أخاه، والجار يؤذي ويسرق جاره، والزوج يُمعن في تعنيف واهانة زوجته، والأطفال بين الحابل والنابل ضاعت كل رؤاهم المستقبلية. أصبحنا لا يحترم بعضنا البعض في الشارع أو العمل أو عند مراجعة أي مكان، وكأننا في غابةٍ القوي فيها يأكل الضعيف، والغني يستعبد الفقير، والموظف يستهين بالمُراجع، والسائق يزدري الركاب وهكذا دواليك. بتنا لا نعرف كيف نتصرف وكأننا ممسوسون بشيء من الكراهية لبعضنا.

فإذا أردنا أن نصلح حالنا حقاً، ونحول الخراب والكمّون إلى إعمارٍ وشهدٍ وسعادة وحضارة، علينا أن نرمي كل ما يمتّ للفساد وسوء الخلق والمحسوبية والطائفية والأنانية والحقد جانباً، ونبدأ ببناء أنفسنا وإنساننا أولاً وتطهيرها من كل شائبة، وان نفتح صفحاتٍ من المحبة والأخوة ونكران الذات والإحساس الحقيقي بالانتماء للوطن والناس!

عندذاك يتحقق ما حلمنا به ذات يوم ويكون خيراً وسعادة، ونغيّر المثل إلى “وعدك يتحقق بالمحبة وستنمو وتزهر يا كمّون”!

عرض مقالات: