اخر الاخبار

ألغى مجلس الوزراء بقراره المرقم 11 في آب 2025، نظام صندوق تقاعد موظفي الدولة رقم 4 لسنة 2008 دون أن تتوضح مبررات هذا الإجراء بما فيه الكفاية ليس فقط للمتقاعدين الذين أكثر ما يخشونه تعرض رواتبهم، ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي بموجب النظام الذي ألغاه مجلس الوزراء، إلى رفع غطاء الحماية لها، وهذا الإجراء من وجهة النظر الاقتصادية ليس مجرد خطوة إدارية عابرة لكنها خطوة تراجعية مرتبطة بالسيولة الحكومية المعرضة بسبب طبيعة مصادرها إلى أزمات تنعكس بالضرورة على حياة المتقاعدين وعوائلهم.

إن تناول هذا الموضوع ودلالاته تدفع للبحث في موضوعة  صناديق الثروة السيادية التي يشكل  صندوق رواتب المتقاعدين  أحد مقارباتها، فإن الاهتمام بصناديق الثروة السيادية يتعاظم يوما بعد آخر ليس فقط في عديد البلدان التي تستخدمها بل أن الباحثين والدارسين توسعوا في إعطائها حيزا كبيرا من البحث  في شتى الأنشطة الاقتصادية  وخصوصا في الدول ذات الاقتصادات الريعية، وما زاد من الاهتمام بها تحولها مع الزمن إلى أداة مهمة من أدوات السياسة الاقتصادية في الوقت الحاضر حيث يلجأ إليها العديد من الدول لتحقيق طائفة من الأهداف تصب جميعها في تحقيق التنمية المستدامة ومنها المحافظة على الثروة وتنميتها من خلال عمليات الاستثمار على المدى البعيد، ويمكن لهذه الصناديق في نهاية المطاف ان تتحول إلى مصادر لتوليد الدخل والناتج المحلي الإجمالي .

وبعيدا عن الاستطرادات النظرية من النافع عرض تجارب الدول النفطية القريبة والبعيدة، فتشير الأبحاث إلى أن صناديق الثروة السيادية في دول الخليج العربي تشكل صمام أمان لحقبة ما بعد نضوب الثروة النفطية، وهي مرشحة لأن تلعب دورا أكبر في خريطة الاقتصاد العالمي وخاصة بعد ان أعلنت السعودية عن توسيع صندوقها ليصل حجم موجوداته إلى تريليوني دولار، فيما جهاز أبو ظبي للاستثمار يصل إلى المرتبة الرابعة بأصول بلغت 592  مليار دولار ليأتي بعدها جهاز قطر للاستثمار في المرتبة التاسعة، اما الدول الأجنبية فقد جاءت أمريكا في المركز الأول على المستوى العالمي فقد بلغ حجم أموال صندوق الضمان الاجتماعي 3 تريليونات دولار نتيجة استثمارات خارجية، وفي  المركز الثاني تحتله  اليابان حيث بلغت حجم أموال الصندوق الحكومي (المعاش الوطني)  1.3 تريليون دولار، أما المركز الثالث فمن نصيب النرويج المسمى بصندوق المعاش الوطني بنحو 954 مليار دولار ناتج عن استثمارات بترولية، ومن الجدير بالتنويه إلى أن هذه الصناديق قد اعتمدت على مبادئ سانتياغو التي ينظمها 23 مبدأ.

صحيح أن العراق قد سبق وبادر إلى صناعة تجربته الخاصة في مجال الصناديق السيادية لكنها وللأسف ولدت بائسة حيث قام بأنشاء صندوقين الأول صندوق التقاعد الذي انحصرت مهمته في تأمين رواتب المتقاعدين من موظفي الدولة فقط، ولم يشمل العاملين في القطاع الخاص ولأن هذا الصندوق كان محدودا في مهمته ويفتقر إلى الشفافية في معلوماته وانشطته ولأنه مرتبط بوزارة المالية فلم يعر له الاقتصاديون اهتماما بالبحث والدراسة. اما الثاني  الذي تم إنشاؤه بموجب القانون رقم 77 لسنة 1974 كمؤسسة مالية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي واداري يديره مجلس إدارة يتكون من ممثلين عن وزارة الخارجية  والإسكان والتخطيط  والتجارة  والعدل بالإضافة إلى رئيس الصندوق، وتشير المعلومات إلى أن مهام الصندوق هذا حددت بوضع السياسات العامة للاستثمار وتقرير المساهمة في مشاريع وبرامج التنمية  وإقرار شروط الإقراض وما يقترضه الصندوق لحسابه ومتابعة علاقات العراق المالية والخارجية المتعددة الأطراف والثنائية وكل ما يتعلق بإدارة مساهماته في المنظمات والصناديق والهيئات والشركات الدولية  والإقليمية والاتفاقات الضريبية مع الخارج، غير أن هذا الصندوق قد غيب كل ما نتج عن انشطته وأمست ممتلكاته في عداد المفقودات تناولناها في عمود سابق، وبناء على كل ما تقدم فان الحكومة مطالبة بمراجعة قراره وتشريع قانون خاص بصندوق المتقاعدين في القطاعين العام والخاص وبناء صناديق سيادية أخرى تقوم على أساس مبادئ سانتياغو أسوة بدول الخليج والتجارب العالمية التي أشرنا اليها باختصار.