يبدو كل شيء عندنا وكأنه يسير عكس الاتجاه. فمثلا: رغم ترحيب المواطنين، خاصةً الموظفين، بوعود توفير خدمات طبية بسعر أقصاه 10 بالمائة من كلفتها في المستشفيات الحكومية (الأجنحة الخاصة) أو الأهلية، للمشمولين بنظام الضمان الصحي، فأن الواقع أمامهم بعيد تمامًا عن الوعود الرسمية.
فالكثير من المشمولين المذكورين يشكون من سوء تعامل وقلة احترام وتأخير متعمد في بعض المستشفيات الأهلية، ومعها ممارسات تضيّق عليهم لثنيهم عن الاستفادة من هذا النظام.
وحسب أحد الموظفين تتعامل المستشفيات مع المريض "وكأنها تتصدق عليه". ويضيف أن بعضها تلجأ إلى فصل المراجعين المشمولين بالضمان عن الذين يدفعون نقدًا، في إشارة واضحة إلى تمييز سلبي، يتعارض مع أهداف الضمان الصحي.
هكذا يُقدَّم الضمان الصحي كمنجز إصلاحي يحاكي ما هو مطبق في دول متقدمة، بينما تكشف التجربة العملية عن عقلية تجارية تهيمن في معظم المستشفيات الأهلية، ترى في المريض مجرد "مصدر ربح" وليس "إنسانًا له الحق في الرعاية الصحية".
إن غياب الرقابة الحازمة، وترك المجال مفتوحًا أمام الممارسات الاستغلالية، لا ينسف مغزى الضمان الصحي فقط، بل ويفاقم فقدان ثقة المواطن بالمؤسسات الصحية الرسمية والخاصة على حد سواء.