اخر الاخبار

يمثل الجهاز المصرفي في العراق بعدده وعدته واحدا من أوسع الأجهزة المصرفية في دول الإقليم بقطاعيه العام والخاص، رغم أن المصارف الحكومية تشكل 8 في المائة من مجموع المصارف العاملة في العراق إلا أنها الأكثر فعالية من حيث تأثيرها في قطاع المال والأكثر أمانا بالنسبة للمودعين ورغم ذلك فان 70 في المائة من الكتلة النقدية المتداولة ما تزال بعيدة عن أن تكون مؤثرة في عملية الاستثمار والتنمية المستدامة بسبب ضعف جاذبية القطاع المصرفي لهذه الكتلة المكتنزة. فهل العجز في السياسة النقدية أم في فشل الإدارات القابضة على هذا الجهاز.

ومن المعروف أن النقود تعد في الوقت الحاضر أداة اقتصادية واجتماعية يصعب الاستغناء عنها في بلد بأمس الحاجة إلى تسيير القيام بالمعاملات اليومية وتنشيط عمليات الاستثمار على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة خاصة بعد التطورات الاقتصادية المطردة على مستوى العالم، ولما كانت النقود وسيلة أساسية في التبادل التجاري وعاملا أساسيا في التنمية الاقتصادية، وحيث أن النظريات الاقتصادية وعلماء الاقتصاد يؤكدون بشكل ملح على أهمية العملات على المستوى العام للأسعار وعلى مؤشرات الاقتصاد الكلي وتحويل المدخرات إلى عمليات استثمار فاعلة في اقتصاد يعاني من الركود والانكماش ويتطلب التوجه إلى اتخاذ قرارات تكون الوسيلة للازدهار والرفاهية، فكيف يكون الأمر اذا تحول المواطنون من القيام بالادخار إلى عمليات الاكتناز الذي هو تجميد لفاعلية النقود في حال تتحول آليات الايداعات وأدواتها إلى مخاطر ومصدات لعمليات الادخار وما يستتبعها من تراجع الاستثمار في الاقتصاد وتعطيل حركته ؟

 لكن هذا الهلع في اتباع هذا الأسلوب لم يأت عن رغبة في امتاع نظرهم بهذه المليارات من الدنانير وانما لم يجدوا في الجهاز المصرفي الذي يصل إلى 81 مصرفا أهليا و7 مصارف حكومية، ملاذا آمنا لأموالهم بل عبئا من الإجراءات تتمثل بتأخر التحويلات وانعدام الثقة فضلا عن تأكل قيمة العملة، وتزداد هذه الظاهرة اتساعا وسط أزمة سيولة تخنق اقتصاد البلاد في ذات الوقت الذي تواجه الحكومة العراقية تحديات كبيرة في إدارة السيولة النقدية بالدينار وفقدان ثقة المواطنين بالمصارف الخاصة بإعلان إفلاس بعض هذه المصارف وما يترتب على ذلك فضلا عن سوء إدارة هذه الأموال عبر الأنشطة الاستثمارية في مشاريع اقتصادية تأتي بالفائدة للمودعين وتنمية الاقتصاد في نفس الوقت. وأكثر من ذلك، فقد عانت المصارف العراقية في الفترة الأخيرة من عقوبات صارمة بعضها جاءت من البنك المركزي ضد خمسة من المصارف الأهلية عبر منعها من إجراء المعاملات بالدولار الأمريكي في إطار الجهود المشتركة بين وزارة الخزانة الامريكية والبنك المركزي لمكافحة غسيل الأموال وتهريب الدولار والانتهاكات المالية، وقبل ذلك فرضت وزارة الخزانة ذاتها العقوبات على 14 مصرفا عراقيا بسبب الشبهات بحكم هيمنتها على نظام سويفت الذي ينظم حركة التحويلات النقدية بين المصارف العالمية بحجة أنها هي المسؤولة عن تصدير الدولار ومن حقها مراقبة حركته كي لا يقع بأيدي المنظمات الإرهابية او عمليات غسيل الموال وبالتالي فان كل هذه الإجراءات خلقت بيئة تزيد من انعدام الثقة في لجوء الناس إلى الادخار.

وبدلا من مراجعة شاملة للسياسة النقدية واجتذاب الأموال المكتنزة التي تشكل 70 في المائة من إجمالي الكتلة النقدية أي ما يعادل 34 تريليون، وترسيخ عنصر الرغبة لدى المواطن من خلال رفع أسعار الفائدة بما يتناسب مع الفوائد التي تجنيها المصارف من خلال القروض للمواطنين والشركات الاستثمارية، يلجأ البنك المركزي إلى تثقيف المواطنين عبر تحذيرهم من أن الأموال المكتنزة تنقل الفايروسات والبكتريا!

ومن بين الإجراءات الشاملة التي تمت الإشارة اليها التطبيق الحي للقوانين والتشريعات وخاصة قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب إضافة إلى التحقق من الكشف الكامل عن مصادر الأموال المودعة وخاصة الأرقام الفلكية عبر اتباع إجراءات اعرف عميلك KYC)) وإطلاق أدوات استثمارية تتسم بالمرونة تحقق الثقة للمودعين وهي كفيلة باستقطاب الأموال المكتنزة وادخالها إلى الدورة الاقتصادية اسهاما في الاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص العمل.