اخر الاخبار

في ذكرى مجازر الإيزيديين في روايتها (فتيان الزنك) تقول الكاتبة الروسية (سفيتلانا أليكسيفيتش): العادات المتأصلة لا تموت بسرعة حتى عندما تأتي لحظة تحسب معها أنها قد ماتت إلى الأبد!

وأنا اقرأ في روايتها دارت بذهني أسئلة: كيف سنقرأ الإنسان سيكولوجيا، حين يتحول إلى مسخٍ منزوع الرحمة نهائياً؟!

كيف سننظر إليه ساعتها؟!

وبماذا سننعته، أو نسمّيه وهو في هذه الحالة من التوحّش الذي تأنف منه حتى الوحوش ذاتها، وتقرف، بل تشمئّز من أفعاله التي لا يمكن أن توصف أنها أفعال كائن حيّ سويٍّ أبدا، بل لمسخٍ انتزعت منه كل الصفات الآدمية؟!

ومن جميل الصدف أنني يومها شاهدت فيلما روائيا طويلاً عن المجازر الفظيعة التي ارتكبها العثمانيون بحقِّ الأرمن، والذي يعطيك دلالة واضحة على أن الإنسان إذا سيطرت عليه شهوة الدم سيتحول إلى مسخ أكثر وحشية ودموية من مصّاصي الدماء!

الفيلم أعاد ذاكرتي إلى ما حدث لأخوتنا الإيزيديين قبل عقد من السنوات على أيدي أقذر المسوخ البشرية، حين اجتاحت أراضيهم فلول داعش المدرّبة على القتل والذبح والهدم والاغتصاب والتخريب!

في عام 2014 للأسف بيعت الأرض وانتهكت الأعراض بفعل الخيانة التي تسكن بعض النفوس المريضة، والتي لا تنتمي للإنسانية بصفة سوى بالخلق فقط، فعاث الفاسدون خراباً، والضالعون بالخيانة والرذيلة فساداً، وضاع ثلث البلاد!

دخلت جموع ممسوخة، ليس لها من الصفات البشرية شيئا، حتى أشكالهم ووجوههم بشعة وممسوخة كأنها شياطين خرجت من الكهوف والمغاور المظلمة، لا تعرف من الرحمة شيئا!

حيث عاث الممسوخون هنا وهناك سفكا للدماء، وخرابا وهتكا للنفس البشرية في كل مكان وطأته أقدامهم الوسخة منذ فجر التاريخ وليوم الناس هذا!

دخل المتوحشون إلى جبل سنجار والقرى المحيطة به، ليرتكبوا أبشع الجرائم ويسفكوا الدماء ويسبوا النساء والأطفال!

لا نستطيع تذكّر أهوال السبي والاغتصاب والقتل التي مارستها هذه المسوخ لأنها تندي الجبين، وتوصم البشرية بعارٍ لن يمحى أبدا!

كم من صبيّة اغتصبت، هل شعرتم بآلامها وسمعتم صراخها؟!

كم من أمٍ اغتصبت أمام أبنائها، هل أحسستم بمعاناتها في تلك اللحظة؟!

مأساة الايزيديين لن تمحى من الذاكرة أبدا! ستظل تشعرنا بعارنا حين نتحول إلى مسوخ!

لكن هل يرعوي الإنسان ــ أي إنسان كان ــ على وجه الأرض، ويشعر بالذنب ولو للحظة واحدة؟!

هل شعر العثمانيون بذنبهم وما ارتكبوه من جرم، ما تزال آثاره لحد هذه الساعة؟!

وهل سيشعر الفاسدون أنهم جزء من المأساة؟!

يا لكم من ممسوخين لا تعرفون غير الأنانية، وحب القتل والدم وجمع المال بأي طريقة كانت؟!

علينا أن نقف لحظات لنتأمل التاريخ، وما عملته الوحشية اللا بشرية فيه من مجازر وضحايا وآلام، ونعيد حساباتنا، إذا أردنا أن نكون إنسانيين حقاً وبمعنى الكلمة، ونقاضي مَنْ ارتكب هذه المجازر، أو شارك فيها، أو دعمها بكلمة!