لعبت الصحافة اليسارية والشيوعية في العراق دورا بارزا ومشهودا في تنمية الوعي السياسي والوطني والاجتماعي والثقافي والارتقاء به منذ أواسط العشرينات، وأخذ هذا الدور بعدا نوعيا متميزا خاصة بعد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي (اذار ١٩٣٤) وصدور جريدته المركزية الأولى " كفاح الشعب" في ٣١-٧-١٩٣٥ التي لم تر النور منها الا خمسة اعداد، وضاقت بها الدوائر الحاكمة آنذاك، والتي تحدث عن خطورتها الفائقة، أقطاب من السلطة، لما حملته من شعارات ونادت به من أهداف، معلنة انحيازها الكامل للوطن والمواطن.
وفي وقت مبكر من تأسيس الحزب تم الإدراك العميق بأهمية العمل على ترقية الوعي وتجلى أهمية ذلك على نحو خاص بالارتباط بالظروف التي كان يعيشها المجتمع وبدايات تشكل مؤسسات الدولة العراقية.
وهذا التوجه ينطلق من قراءة واقعية للحال ذلك الزمان وهيمنة الأفكار والعادات والتقاليد التي هي بنت ظروفها. ومع دخول البلاد في مراحل جديدة، وما واجهه شعبنا من متطلبات للسير على طريق التحرر والانعتاق بات لزوما التخلي عن الكثير وبناء منظومة قيم جديدة، وكذلك مفاهيم ومعايير تواكب حالة تطور المجتمع الصاعد نحو ملاقاة الجديد ومحاكاة دول العالم وشعوبه، خصوصا وهو قد بدأ صلاته وعلاقاته مع دول وشعوب أخرى، حيث أخذت الحاجة تبرز بضرورة الانتقال من " الوعي الزائف " إلى آخر مختلف يعي مصالحة بالترابط الوثيق بين ما هو وطني، وما هو اجتماعي وطبقي.
تنمية وترقية الوعي، مقدمات لا غنى عنها لأي تغيير منشود، ولاسيما عندما يكون بحجم التغيير الاجتماعي الجذري. ويبقى العامل الحاسم في هذا ليس التعليم المدرسي فقط وعلى أهميته، بل هو وثيق الصلة بتغيير الشروط المادية التي يعيش فيها الناس.
وهنا يأتي الدور الكبير الذي نهضت به الصحافة الشيوعية في إعلاء شأن الوعي، بل إنها، مثلما هم الرواد، كانوا السباقين إلى نشر مفاهيم: الطبقات، الاستغلال، الصراع الطبقي، التحرر، الحرية، المساواة، تحرر المرأة، الديمقراطية، فائض القيمة، الاشتراكية، الاقطاع، البرجوازية، الاستعمار، الاستقلال، والسيادة الكاملة، العدالة الاجتماعية، السلام العالمي، وغيرها.
ولعل ما يميز هذه الصحافة، هو أنها، وعلى وفق سياسة الحزب وتوجهاته. رسمت لها خطا وطنيا واضحا، وهو ما كان له الأثر البين في تنمية المشاعر الوطنية، والحث والتعبئة للتحرر والاستقلال الكاملين.
هذا الخطاب الوطني الرافض للطائفية والمناطقية والعشائرية (وليس العشائر)، والتعصب والانغلاق، كان ضروريا لإعلاء شأن المواطنة العراقية، والآن أصبحت الحاجة أشد له من أي وقت مضى.
هذه الصحافة كانت ميدانا رحبا للانفتاح على قضايا الشعوب ودعم حقوقها في تقرير المصير واختيار أنظمتها وفقا لإرادتها الحرة، وهنا جاء الفضاء الآخر الأممي إلى جانب البعدين الاجتماعي – الطبقي والوطني.
ولا يمكن إلا الإشارة إلى دور صحافتنا الملحوظ في بلورة وعي ثقافي نقدي وتقدمي منحاز
وقدمت عبر مسيرة التسعين عاما مساهمات رصينة في المجال الثقافي والفكري والادبي والفني،
إنها بحق مدرسة فكرية وجمالية بامتياز.
إن الصحافة الشيوعية ليست وسيلة اعلام عادية تقليدية، بل هي أداة للتنظيم والتعبئة والتحريض والتنوير وترقية الوعي والنهوض به إلى مستوى أدارك المصالح وامتلاك إرادة التغيير. هذا ما نهضت به تلك الصحافة وما تواصله اليوم، رغم كل التحديات، وسائل إعلام الحزب الراهنة، ومنها وفي المقدمة "طريق الشعب”.