"نسامح لكن لا ننسى" تلك هي حكمة نلسون مانديلا زعيم جنوب إفريقيا في مجمل تعليقه على الجرائم العنصرية التي ارتكبت بحقه وحق شعبه من أصحاب البشرة السوداء، بعد أن تم التوافق بين البيض والسود.
ويبدو ان الأمر ينطبق علينا، فلا يمكننا نسيان جرائم حكم البعث والدكتاتور صدام وما خلَّفت من كوارث اجتماعية واقتصادية لا نزال نعاني منها.
وقبل أيام كنت أتابع البرنامج الوثائقي "تلك الأيام" للزميل الصحفي الدكتور حميد عبد الله ، تابعت حديثه مع استعراض وثائق حول متابعة عناصر الأمن البعثي لعائلات الضحايا من الشهداء حتى بعد إعدامهم، وطبعا لأغراض عديدة منها رصد ردود فعلهم والضغط عليهم لاستنباط مواقف معارضة للحكم آنذاك، وبالتالي إسقاطهم فريسة لكتابة تقاريرهم الخبيثة، والإيقاع بهم ضحايا لمصائر شنيعة لا تقل عن مصائر أبنائهم..
أعادني ذلك الفيديو لواقع شخصي كنت قد مررت به أثناء وضعي الكارثي، لكوني زوجة سجين سياسي ومن ثم معدوم، وكان هذا خلال دوامي في دائرة صحفية حكومية بداية الثمانينات.. لن أنسى أبدا ما واجهته من معاناة أثناء تردد أشخاص غرباء من الجهات الأمنية على مكتبي ومحاولة الإيقاع بي .. أذكر مرة زارني شخصان غريبان تماما حاولا فتح موضوعات سياسية معي، لكني ولغرابة الموقف ولسبب عجيب ما زلت أجهله، أصبت حينها بنوبة من الضحك وأنا أحوّل محادثتهما معي لأحاديث ونكات جانبية، أغرقتني بضحك متواصل الأمر الذي أضحكهما أيضا حتى غادراني.
في اليوم التالي أخبرني زميل لي في المكتب وهو عنصر أمني أيضا، قال لي بأني كنت محظوظة جدا، إذ لم يحصل الشخصان مني على معلومة خطيرة رغم حملهما جهازي تسجيل صوتي تحت سترهما.. وعن موضوع الزيارات، لم يكف عنصر أمني عن زيارة بيتي وعائلتي أسبوعيا تقريبا حتى بعد حصولي على شهادة الإعدام، وحتى أصبح (شبه صديق)!
في حلقة أخرى من البرنامج نفسه عرفنا بأن جرائم العهد الصدامي بلغت مداها خلال قمع انتفاضة آذار، التي راح ضحيتها في شهر واحد 280 ألف شخص.. ويمكننا أن نتصور حجم تلك الكارثة عند مقارنتها بإجرام إسرائيل في غزة وعدوانها خلال عامين، ليذهب ضحيته 85 ألف شهيد (فقط).
في السخرية القدر..
وفي حلقة أخرى أثارت الكثير من اللغط بين مُصَّدق ومُكَّذب ذكر الدكتور عبد الله أنه حسب إحصائية موثقة لديه بلغ عدد المعدومين في تصفيات نظام صدام منذ 17 تموز 1968 وحتى نيسان 2003 نصف مليون عراقي.
مؤكدا مسؤولية صدام التاريخية والوثائقية والأخلاقية عن هول تلك الاعدامات والتصفيات نتيجة محاكمات شكلية سياسية وليست جنائية. كما أن النصف مليون هو رقم حد أدنى بحسب إحصاءاته، منهم ضحايا حفريات الشفل للقبور الجماعية التي توزعت في أنحاء مختلفة من محافظات العراق. وهذا عدا التصفيات للمغيبين الذين لا تعرف لهم قبور حتى اليوم.