في خطوة تعكس تصعيداً جديداً في الحرب التجارية التي يتبنّاها، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم كمركية بنسبة 30 في المائة على صادرات العراق إلى الولايات المتحدة، اعتباراً من الأول من آب 2025. هذه الضريبة المرتفعة لم تكن مفاجئة تماماً في سياق سياسات ترامب الحمائية، لكنها في الحالة العراقية تأتي كصفعة اقتصادية وسياسية في آن، وسط صمت حكومي مطبق، وتراكم أزمات الداخل. العراق، الذي لطالما اعتمد على تصدير الموارد الأولية – بما فيها النفط والمنتجات القليلة غير النفطية – يجد نفسه اليوم في مرمى نيران سياسة كمركية تعاقب دون تمييز، وتضيف عبئاً جديدًا إلى اقتصاد هشّ ومتقلقل، قائم على الريع ومرتبط بتقلبات السوق العالمية. وبينما تُقدَّم هذه الإجراءات في واشنطن كوسيلة لحماية السوق الأمريكية، فإن وقعها الحقيقي يضرب في عمق الواقع العراقي: المواطن البسيط هو الذي يتحمّل النتائج الفعلية.
لا أحد يتوهّم بأن أصحاب القرار في العراق – أولئك المحصنين بالامتيازات والرواتب العالية – سيتأثرون برفع الرسوم أو تقليص حجم التبادل التجاري. التأثير سيطال المواطن، الذي يدفع أصلًا فواتير فساد داخلي مزمن، ليضاف إليها اليوم عبء "الكمرك" الأمريكي. سترتفع الأسعار، ويغلق باب جديد من أبواب التصدير، وتشلّ عجلة النشاط الاقتصادي المحدود أصلًا، في وقت لا يملك فيه العراق رؤية اقتصادية تنموية مستقلة.
من المثير للسخرية أن يُقدَّم القرار الأمريكي وكأنه "إجراء سيادي" من دولة تسعى لتعديل ميزانها التجاري، بينما هو في جوهره إعلان هيمنة واستخفاف. إنه يذكّرنا، وبقسوة، بأن العراق لم يغادر مربع التبعية بعد، وأن المواطن فيه لا يزال رهينة قرارات تُصاغ في الخارج وتُمرَّر بلا حوار أو حتى رد فعل.
السؤال الأخطر الذي ينبغي طرحه اليوم هو: أين الحكومة؟
أين الموقف الرسمي الذي يفترض أن يعبّر عن رفض هذه الإجراءات الجائرة؟ أين وزارات التجارة والخارجية والاقتصاد؟ بل أين البرلمان ولجانه التي لا تنشط إلا عند تقاسم المناصب؟ في بلد يفتقر إلى الحماية الاقتصادية الحقيقية، تتحوّل السياسات الدولية إلى أدوات ضغط مباشرة على معيشة الناس، دون أي نوع من الدفاع المؤسسي.
لقد كشف هذا القرار حجم هشاشة الموقف العراقي، وضعف أدواته في التفاوض أو المقاومة. كما أنه أعاد فتح النقاش حول غياب الاستراتيجية الاقتصادية: هل العراق دولة تنتج، أم مجرد سوق استهلاكي مستباح؟ هل يملك وسائل الرد، أم يكتفي بالتفرّج على المواطن يعصر بين مطرقة الداخل وسندان الخارج؟
ما تحتاجه البلاد اليوم ليس فقط موقفاً من قرار ترامب، بل رؤية شاملة للخروج من نفق التبعية الكمركية والاقتصادية. لا يمكن بناء سيادة حقيقية دون اقتصاد مستقل، ولا يمكن حماية المواطن من الطامات اليومية ما لم يعاد الاعتبار للإنتاج المحلي، ويغلق ملف الفساد الكمركي، وتفعَّل أدوات الرقابة على الاستيراد والتصدير. إن ما جرى ليس مجرد "خبر دولي"، بل إنذار جديد بأن المواطن العراقي، هو من يدفع الثمن دوماً. فهل من يسمع؟