اخر الاخبار

على غير موعد ظهر أمامنا نحن مجموعة من الأصدقاء فجأة الفنان المبدع رسام الكاريكاتير علي المندلاوي أثناء جلوسنا في مقهى أحد المولات في أربيل. كانت مصادفة لطيفة لا سيما نحن نعرف إقامته في هولندا وتردده على الوطن مرات في العام. الطريف انه كان يجر خلفه حقيبة سفره رفقة ابنته الصبية، ولم تنفع توسلاتنا إليهما بالانضمام لطاولتنا بعدما تعذرا بإرهاقهما من السفر وعزمهما على تناول وجبة العشاء.. المهم سعدنا بلقائهما وتواعدنا على التواصل بعد حين.

مساء اليوم التالي صعقنا بخبر إصابة فناننا علي بجلطة دماغية مفاجئة كادت تودي بحياته، عرفنا من كتابته على صفحته في الفيس بوك حين كتب ساخرا كعادته (جلطة بلغت قوتها 3.5 درجات على مقياس رختر استمرت عدة دقائق ظهر اليوم، لكنها وضعت مَن وَصَله الخبر من العائلة، وخاصة أخي مدحي وابنتي لافه التي كانت معي وقت حدوث "الزلزال" في حالة إنذار قصوى، واستغرقت مني ساعات من العناية المركزة والتحاليل والسونارات والتخطيطات القلبية والرنينات وقياس الضغط والسكر، وغيرها في صالة طوارئ مركز طبي في أربيل وأخيرا طلعت غير مصدق.. سلامات عافية مستدامة لكم).

طبعا، جعلتنا هذه الحادثة نعيد حساباتنا جميعا بمدى جدوى الحياة، وكيف لنا اللحاق بتأدية إنجازاتنا، إن حق لنا تسميتها، هكذا بأسرع ما يمكن قبل أن يداهمنا خطر الموت.

علي الذي وصفه الكاتب الساخر حسن العاني بـ"جلجامش" عصره لطوافه الأسطوري المدهش في عوالم الكاريكاتير وتحليقه فوقها وفي فضاءاته وكأنه قمر تجسس إمبريالي، بحيث لم يفلت من رقابته أي فنان في أي مكان في العالم، وبجهد يفوق طاقة كائن بشري فرد.. كان قد اصدر قبل عامين كتابا بعنوان "وجوه" يذكر أنه كان يمنح الوجوه التي رسمها رويدا رويدا عمره..

لكن بقي الطفل الذي لا يكبر، فنانا لا يكف عن الرسم والحركة، يرسم في كل الأوقات وفي كل الأزمنة، يحوَّل ذكريات وأحلام الناس إلى لغة جميلة أسمها الفن على حد تعبير الصحفي والسينمائي الليبي محمد مخلوف.

لم يكفِه إنجاز اثني عشر معرضا شخصيا والمساهمة في أكثر من ثلاثة وعشرين معرضا مشتركا في العراق والعالم، وحصوله على الجائزة الأولى مناصفة من معرض الكاريكاتير العربي الأفريقي في القاهرة، وعلى الجائزة الكبرى للمهرجان الدولي الرابع عشر – ميهاي أونسكو – رومانيا، والجائزة الأولى لمسابقة جورج بهجوري في مصر، فضلا عن كونه عضوا في اتحاد الكاريكاتيريين العالمي وممثله في العراق، مؤسسا لمشغل أدد للتصميم الطباعي، وعضوا مؤسسا في جماعة القافلة الدولية في تونس، وعضوا مؤسسا في مؤسسة أصدقاء ثقافة وادي الرافدين في هولندا، وعضوا مؤسسا في جمعية الكاريكاتير العراقية في بغداد، فضلا عن إصداره كتابين مهمين بعنواني "وجوه" و"في مرايا المندلاوي" جمع فيهما حصيلة منجزه في البورتريه الكاريكاتيري لأربعة عقود.. وها هو يواصل جهده رغم تغربه واعتلال صحته. إذ يعتزم تقديم معرض متخصص فريد بفكرته يعتمد على أعمال مجسمة يأمل طباعتها في كتاب متخصص، فضلا عن انجاز معرض آخر من لوحات بأفكار متنوعة بعيدا عن وجوه الكاريكاتير.