إنّ الاهتمام بالرياضة، باعتبارها قطاعًا حيويًا ومؤثرًا في حياة الشعوب، أصبح ضرورة وطنية لا يمكن تجاهلها، لاسيّما في ظل تنامي الاهتمام الرسمي والدستوري بها، وتوسّع النشاطات المرتبطة بها في مختلف مفاصل الحياة.
هذا الاهتمام يتطلب، في المقابل، رعاية جادة للشباب، وتوفير البيئة المناسبة لممارسة الرياضة، سواء من أجل تعزيز الصحة والنشاط، أو من أجل تحقيق الإنجازات والبطولات، أو حتى لمجرد الهواية، وإشغال أوقات الفراغ بوسائل مفيدة. ولا يقتصر الأمر على فئة عمرية أو جنس دون آخر، بل نحن بحاجة ماسّة إلى بنية رياضية شاملة تتيح ممارسة الرياضة لجميع الأعمار وللجنسين على حدّ سواء.
من هنا، أوجّه دعوة صريحة إلى وزارة الشباب والرياضة، لأخذ زمام المبادرة بالاهتمام بالبُنى التحتية الرياضية، إذ باتت الرياضة تُمارَس على نطاق واسع، وشعبي، وفي مختلف القطاعات، بل وتُعدّ اليوم جزءًا من الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
وبناءً على ما تقدم، أجد من الضروري الأخذ بالمقترح الذي طرحه الزميل الصحفي البارز خالد جاسم، رئيس الاتحاد العراقي للصحافة الرياضية، والقاضي بتشكيل "هيئة عليا للإعمار الرياضي".
هذه الهيئة، في حال إنشائها، يجب أن تضم ممثلين عن وزارات: الدفاع، الداخلية، التربية، التعليم العالي، الشباب والرياضة، إلى جانب اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية. كما ينبغي أن تُمنح هذه الهيئة صلاحيات واسعة تتجاوز الروتين الإداري، لتكون قادرة على تحقيق أهدافها بفاعلية.
وإن تحققت هذه التجربة، فستخلق ظروفا مناسبة لدعم البُنى التحتية الرياضية، والنهوض بها، بما يتماشى مع ما نصت عليه المادة (36) من الدستور العراقي، التي تؤكد أن "ممارسة الرياضة حق لكل فرد، وعلى الدولة تشجيع أنشطتها، ورعايتها، وتوفير مستلزماتها". هذا النص الدستوري ملزم، ويجب ترجمته إلى واقع ملموس.
تشكيل الهيئة العليا للإعمار الرياضي سيكون خطوة نوعية لوضع الأسس السليمة لبناء الملاعب، القاعات، المضامير، الأندية الرياضية، منتديات الشباب، وغيرها من المؤسسات الرياضية في مختلف أنحاء البلاد. فواقع البُنية التحتية الرياضية اليوم يعاني ضعفًا شديدًا، لا سيما في العاصمة بغداد، حيث المنشآت شحيحة أو متهالكة، وإن وُجدت في بعض المحافظات، فإن أغلبها يعود إلى أكثر من نصف قرن مضى.
إن الأندية الرياضية بمعظمها تعاني من التهالك، وبناياتها قديمة ومهملة، والقاعات الرياضية نادرة أو غير صالحة للاستخدام، والمسابح قليلة وبإمكانات محدودة. كل هذه المنشآت بحاجة إلى تجديد وصيانة دورية.
ومن هنا، أرى أن هذا المقترح، في حال إقراره ومنح الهيئة الصلاحيات والموارد المالية اللازمة، سيمكّنها من أداء دورها الجاد، ويضعنا على طريق إعادة بناء واقع رياضي حقيقي، يتماشى مع تطلعات شبابنا، ويحقق ما نصّ عليه الدستور من دعم للرياضة، باعتبارها وسيلة فعالة للتنمية والتغيير.
فحين تتحقق الانطلاقة الصحيحة للبنية التحتية الرياضية، سيبتعد الشباب عن مسالك الانحراف، وينجذبون إلى ميادين الرياضة والنشاط الإيجابي.
علماً أن المنشآت الرياضية التي ظهرت بعد التغيير السياسي في العراق، اقتصرت إلى حد كبير على ملاعب كرة القدم، بسبب النقص الكبير الذي كان موجودًا في هذا الجانب. غير أن البنية التحتية ما زالت تعاني نقصًا وتدهورًا في العديد من المجالات الأخرى، مثل القاعات، المسابح، منتديات الشباب، مضامير ألعاب القوى، وغيرها.
إن النهوض بالرياضة لا يكون إلا عبر نشر هذه المرافق والميادين في عموم البلاد، بما يتيح اكتشاف المواهب، وصناعة الأبطال، وتوسيع قاعدة الممارسة الرياضية، والصحية، والشبابية.