على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر عامل نظافة بيده اليسرى مكسورة ومتورمة، يعمل رغم إصابته البالغة خشية فقدان وظيفته. المشهد الصادم لا يحتاج إلى تعليق، لكنه يفتح الباب واسعاً أمام أسئلة موجعة: كيف يُسمح بعمل مصاب بهذه الحالة؟ وأين المسؤولية الطبية والإدارية؟ بل أين الضمير؟
العامل، كما تشير الشهادات، لم يُمنح إجازة أو علاجاً لائقاً، بل استمر في أداء مهامه تحت ضغط الخوف، لا الواجب. وهو خوف مفهوم في بيئات عمل يعامل فيها العمال كأنهم أدوات قابلة للاستبدال، بلا حماية، ولا ضمانات، ولا صوت يُسمع.
هذه ليست حالة فردية، بل نموذج يتكرر في قطاعات كثيرة، حيث يضطر العامل إلى الصمت، لأن الشكوى قد تكلّفه مصدر رزقه. نحن أمام واقع ينتهك أبسط الحقوق، ويكشف هشاشة الحماية للطبقات العاملة، التي يُطلب منها أداء أقصى ما تستطيع، دون أي ضمان لسلامتها. ما جرى يجب ألا يمرّ مرور الكرام. لا يكفي الغضب العابر على مواقع التواصل. المطلوب تحقيق رسمي، ومحاسبة من سمح بإجبار المصاب على العمل، وتوفير علاج كامل، وإجازة مدفوعة، وضمان بعدم تعرضه لأي عقوبة إدارية بسبب ظهوره أو شكواه. ويجب على وزارة العمل أن تتحرك، لا أن تنتظر أن تفضح الكاميرات ما يجري في الخفاء.
كرامة العامل مسؤولية جماعية، وأي صمت عنها هو تواطؤ. وفي قلب هذا المشهد، تظهر أهمية النقابات العمالية، التي يُفترض أن تكون الحامي الأول للعامل، لا الغائب الأكبر. من واجبها التدخل لمتابعة الحالة، وتقديم الدعم القانوني والطبي، والضغط لتوفير بيئة عمل آمنة تحفظ كرامة الإنسان قبل كل شيء. لا معنى لأي حديث عن التنمية أو التقدم، إن كان يُسمح بكسر الإنسان وإرغامه على الصمت. اليد التي تكنس الشوارع بصدق لا يجب أن تُكافأ بالإهمال، بل بالإنصاف.