اخر الاخبار

في بلدٍ يأكل الزمن فيه الوجوه والسنين، يتحول التقاعد من استراحة مستحقة إلى اختبار قاسٍ لكرامة الموظف، وكأن ما قضاه في الخدمة مجرد "تجريب". هنا، لا تنتهي الوظيفة عند الستين، بل تبدأ رحلة جديدة من الانتظار.. على أبواب الدوائر، خلف طابور الأختام، وتحت رحمة التعليمات المتغيرة.

وفقاً لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 المعدّل، يحال الموظف إلى التقاعد عند إكماله 60 عاماً، بشرط إتمامه 15 سنة خدمة. لكن في الواقع، يبدو أن هناك من يفهم القانون على مزاجه، ومن يفسّره بمنظار ضيّق، أو يتعمد التلاعب في "العدّادة" لتقليل ما يستحقه المتقاعد من حقوق، تارة باسم التبويب المالي، وتارة باسم التنظيم الإداري.

المفارقة تكمن فيمن أُبعدوا عن وظائفهم قسراً: طردوا لأسباب سياسية، أو هربوا في سنوات القمع، أو أُجبروا على الصمت أو الغياب. هل ينظر إليهم كضحايا؟ أم يعاملون كمن "نقصت خدمتهم"؟ لا أحد يجيب. تختصر قضيتهم بـ"ما عنده خدمة كافية". لكن من يقيس الغياب؟ من يحتسب القهر؟ تستمر حلقات البيروقراطية، فتعطل العلاوات، وتتوقف الترفيعات، وتربط الحقوق بموازنة لا تصل. وزارة المالية تُبرّر: "هذا رد على استفسار، لا قرار!"، أما المواطن فيسأل: هل من المعقول أن تسلب سنة كاملة من خدمة موظف فقط لأنه بلغ الستين ولم يكملها بالكامل؟ هل العدل يُجزّأ إلى أيام وساعات؟ إننا بحاجة إلى تصحيح لا في القوانين فقط، بل في الضمير الإداري. الموظف الذي خدم في الحصار، وصبر على انقطاع الرواتب، وواصل العمل في الحرب، يستحق أكثر من تقاعد مبتور. يستحق أن يقال له: شكراً. وما لم تتغيّر النظرة إلى الموظف كرقم في جدول، وما لم تُرفع الحواجز المصطنعة بينه وبين حقوقه، ستظل العبارة الساخرة – والمرّة – تقال بلا توقف: كَاعد… ينتظر التقاعد!