اخر الاخبار

بينما أعلنت وزارة المالية عن صرف رواتب المتقاعدين قُبيل عيد الأضحى المبارك، برز خبر "عدم إضافة الـ 100 ألف دينار عراقي على رواتب المتقاعدين في إقليم كردستان"، كعلامة مؤلمة في سجل الإهمال المزمن تجاه من خدموا الدولة بصدق وأمانة. كيف يُعقل أن تُحجب هذه الإضافة عن موظفين أفنوا أعمارهم في الدوائر الرسمية، ومنهم من قاتل في صفوف الشعب وواجه رصاص الدكتاتورية وغازات الخردل؟ هل يكافأ من فقد صحته أو أطرافه في ميادين الخدمة والتضحية بعدم او بخصم يُمرَّر تحت ذرائع بيروقراطية؟ إن الأنصار البيشمركة، الذين شكلوا طليعة المقاومة الشعبية في جبال كردستان، لم يكونوا مجرد مقاتلين بل رموزاً للكرامة الوطنية، ولا يجوز أن تنتقص حقوقهم اليوم بقرارات جافة لا تراعي التاريخ. إن استقطاع او عدم اضافة 100 ألف دينار إلى رواتبهم ليس مسألة مالية بل صفعة أخلاقية، ورسالة مغلوطة بأن العطاء يقابل بالنسيان. المتقاعد في كردستان، كما في أي بقعة من العراق، يستحق المساواة والاحترام، لا المعاملة على أساس الجغرافيا أو التوازنات السياسية.

المتقاعد ليس مجرد رقم في كشف الرواتب، بل هو ذاكرة حية ومُؤسس صامت لبنية هذه الدولة. معلم، جندي، ممرض، موظف إداري، نصير بيشمركه.. خلف كل منهم قصة شقاء طويلة. ومع ذلك، يُتعامل مع استحقاقه التقاعدي كأنه فضل من الحكومة، لا كحقٍ مكتسبٍ وموثَّقٍ في الدستور. أين العدالة في أن تُصرف علاوات لبعض المتقاعدين في الوسط والجنوب، وتُحجب عن نظرائهم في الشمال؟ هل الموقع الجغرافي بات مقياساً للاستحقاق الوطني؟ الـ 100 ألف دينار ليست مجرد مبلغ يقتطع من راتب متقاعد بسيط؛ بل هي مؤشر على كيفية تعامل الدولة مع من خدموها عقودًا طويلة. إنها رسالة غير معلنة تقول: "ما قدّمته لا يكفي"، أو "لقد انتهى دورك". فهل نكافئ من ضحّى بشبابه، وبُترت أطرافه، وأصيبت عيناه بغاز الخردل وتحمّل سنوات الحصار والحروب، بالخصم لا بالتكريم؟ المؤسف أن مثل هذه القرارات تمرر دون مساءلة حقيقية، بحجج إدارية لا تقنع أحداً. فهل بات من السهل تجاهل ما يخلّفه هذا التمييز من غضب ومرارة وشعور بالإقصاء؟ وهل نحتاج لتذكير المسؤولين بأن كرامة المتقاعد خط أحمر، لا يُمَسّ ولا يُخصم منه؟

إن إعادة هذا المبلغ ليست قضية ميزانية، بل اختبار لقيم الدولة ومبادئها. فالدولة التي تُنصف متقاعديها تحفظ لنفسها هيبتها، وتحفظ لعقود الخدمة معناها. أما إن استمر الخصم، فالرسالة واضحة: التضحية بلا مقابل، والوفاء بلا وزن.

فلنتذكّر دائماً: التقاعد ليس نهاية الكرامة، بل بداية استحقاقها.