مهما فعلت الدولة وهي لم تفعل إلا القليل الذي لا يكاد يصل إلى الحد الأدنى من ناصية حاجة العراقيين إلى السكن اللائق المفترض حسب توصيفات لوائح حقوق الإنسان الدولية، لهذا تظل مطالبة بعمل الكثير من أجل إيجاد الحلول الجذرية لإشكالية السكن في العراق والتي تجد تجسيدها في رفع الحيف المستدام للطبقات المهمشة وحتى الحدود الدنيا من الطبقة الوسطى الآخذة في التآكل التي تقترب من نصف عدد السكان في العراق، مع أهمية وضرورة الابتعاد عن إيهام الناس أن الشواهق السكنية التي تتزايد في مدينة بغداد المشيدة بغسيل الأموال كفيلة بحل هذه الإشكالية المستعصية.
وبالاطلاع على تفاصيل القرار والتوصيات الصادرة عن مجلس الوزراء في آذار من عام 2016 بناء على توصيات وزارة التخطيط آنذاك فمن الإنصاف التعامل معهما بمنظور إيجابي باعتبارهما خطوة أولى على طريق حل أزمة السكن الخانقة والتي تفاقمت في العقود الثلاثة الأخيرة بشكل أدى إلى تفجر أزمة اجتماعية أثقلت كاهل المواطنين وكتمت على انفسهم ، غير أن السؤال الملح ما هو حجم هذا الانجاز إذا أخذنا بعين الاعتبار الأزمة المالية الخانقة وقتذاك والأفق المجهول للاقتصاد العراقي بغياب استراتيجية تنموية واضحة قابلة للتنفيذ. فإذا أخذنا بالاعتبار تقديرات خطة التنمية الاقتصادية للسنوات 2010 – 2014 التي تشير إلى أن العراق بحاجة إلى 2,800 مليون وحدة سكنية وخطط التنمية اللاحقة او اذا اعتمدنا فرضية استراتيجية التنمية الاقتصادية للأعوام 2007-2010 التي قدرت الحاجة إلى النهوض بقطاع التشييد نحو 62 تريليون دينار عراقي اي بنسبة 27,7 بالمائة من إجمالي الإنفاق الاستثماري الكلي لمجمل القطاعات البالغ 187,مليار دولار مما يدلل على عظم مشكلة السكن في العراق، لوجدنا أن الإجراءات المتخذة لحد الآن ليست سوى خطوة وليست حلا شاملا لمشكلة مدورة لعقود من الزمن. ومن جهة أخرى فإن الدولة وهي المكلفة دستوريا بموجب المادة 30 / ثانيا من الدستور من بين التزامات عديدة توفير السكن، فإذا افترضنا في كل ذلك، أن عملية الإقراض ستتم بسلاسة وبشفافية دون أن تلتف عليها المافيات المعششة بكل مفاصل الدولة العراقية ولكنها بدون أن تكون أجهزة الرقابة حاضرة وجادة بتمام يقظتها وحرفيتها في كافة المراحل الاجرائية التي يتم بها الاقراض، خاصة وأن لدينا من تجارب لجان الكشف العقاري ما يدعونا للشك بتلك اللجان التي ستجري كشوفاتها ضمن هذا القرض وغيره من القروض التي تمنحها المصارف الاخرى المتخصصة وبالتالي فإن كل ما خطط له سيذهب مع الريح.
إننا نعتقد أن الفجوة كبيرة بين الطلب على الوحدات السكنية من شرائح المجتمع الراقدة تحت خط الفقر أو حوله وبين قرار المجلس وآليات الإقراض سواء كانت الوحدات السكنية الاقتصادية كما سماه القرار أو الاشكال الأخرى من الوحدات من جهة، وبين ما يمكن أن توفره الدولة سواء بموجب قرار المجلس او تعليمات الاقراض من جهة اخرى، ضرورة التعامل الجذري مع إشكالية السكن والانطلاق من مشروع استراتيجي على المستويات القصيرة والمتوسطة والطويلة وعدم اختزالها بقرارات جزئية لا تؤدي إلى معالجة المشكلة بل تراكمها وتعمق من الازمة في ظل اوضاع اقتصادية وسياسية وامنية معقدة مقترحين ما يلي:
- تفعيل قطاع البناء والتشييد عبر إعداد دراسات هندسية مستفيضة ومسح شامل وتحديد الاماكن المناسبة للمدن السكنية التي تتحدث عنها الحكومة ولم تظهر للعيان بشكل ملموس وتوفير الخدمات الأساسية والاستفادة من الخبرات المحلية والأجنبية في تحديد المواصفات التكنولوجية اللازمة في التصميم.
- دراسة المشاكل التي يعاني منها قطاع الصناعة الخاص بمواد البناء الأساسية كالإسمنت والحديد والطابوق وحماية هذه الصناعة من المنافسة الأجنبية وتأهيل مصانع الحديد والصلب وتحديثها تكنولوجيا.
- معالجة مشكلة التمويل التي تمثل أكبر التحديات، عن طريق إيجاد مخارج واقعية من خلال القروض طويلة الاجل تمتد لمدة 30 سنة وتفعيل دور المصرف العقاري وصندوق الإسكان وتنشيط دور القطاع التعاوني والمختلط.