في جلسة نسائية لطيفة جمعتنا بها صديقة إعلامية معروفة وضمت مجموعة من الإعلاميات والأديبات احتفاء بعيد الفطر.. جرت حوارات حول موضوعات متنوعة، بجانب الحرص على إشاعة الجو الاحتفالي اللائق بالمناسبة .. وفي غمرة الاحتفال قالت إعلامية شابة تميزت في إحدى القنوات التلفزيونية المهمة، وبالفم المليان: "نعم أنا صدامية" ..!
صُدم الجمع بتصريحها البعيد جدا عن فحوى النقاشات الدائرة، وطبعا بمن فيهم أنا، فما كان مني إلا الرد عليها بسرعة: "اصمتي واعتذري فورا"! وأضفتُ: هل تعلمين أنه أعدم زوجي، والد زميلتك التي لم تره بعد أن اختطفه جلاوزته، وأخفوه طيلة خمس سنوات، وهي لم يتجاوز عمرها سنتين، وبالتالي حصلنا على شهادة وفاة فقط من دون جثمانه، ولا تحديد لمكان قبره ان كانوا دفنوه ..
تبرعت صديقة أخرى ووجهت لها كلاما صريحا آخرا أن "اصمتي، ولا تنطقي بكلمة أخرى" ..
طبعا شحن الجو بهذه المفردات التي كادت تطيح بجو الجلسة، لولا صمتنا جميعا ورفع صوت المسجل بأغاني شعبية خفيفة..
التصقت كلمتها بذهني بعد ذلك لأيام وسألت المقربين مني: "ترى ما رأيكم لو صرحت إعلامية شابة خريجة علوم سياسية بهذا التصريح؟".
طبعا اختلفت الإجابات وتنوعت لكنها اتفقت جميعا على أن الوضع الحالي يشجع ترويج مثل هذا الرأي، بما فيه من فساد وخراب واعتداء على الحقوق المدنية بأسم الدين وغيرها .. لكني أرى من ناحية أخرى أن جيلا من الشباب، خصوصا من مواليد التسعينات وما تلاها، تشوشت لديهم مبادئ الصح والخطأ. فقد نشأوا في ظروف مضطربة، بعيدة عمن يربطهم ببوصلة حقيقية تشيع لديهم مبادئ السلام والأمان،÷ سواء سياسيا أم اقتصاديا واجتماعيا. تربوا في ظروف مخلفات الحصار والحروب المتتالية، ومن ثم التدخل الأجنبي وانقلاب المعايير المتعارف عليها، والارتداد نحو الرجعية واتخاذ الدين وسيلة للتكسب وللفساد، بدلا من إعلائه وازعا أخلاقيا يردع الرذيلة ويسعى لبناء مجتمع صالح ولو بالحد الأدنى.
وفي الحقيقة كان في نيتي الاجتماع ثانية مع تلك الشابة الإعلامية ومناقشتها بهدوء بشأن ما قالته عن إيمانها ذلك، لولا تحذير ابنتي لي وقولها: "لا ماما، هؤلاء اعتقادهم جازم ولا نقاش، فهم يؤمنون بأن شعبنا "ما تفيد ويّاه" إلا قيادة دكتاتورية مستبدة كقيادة صدام ، وأن شعبنا "ما يستاهل" غير صدام وأمثاله"!
عجبت لهذا التبرير، فأي جيل هذا الذي يؤمن مثلا بأنه لا يستحق سوى العنف وحكم الدكتاتورية؟ وأين مبادئ الحرية والديمقراطية التي ناضلنا من اجلها، وناضلت كل شعوب العالم التي تتوق الى الحرية وللسلام؟