اخر الاخبار

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في تشرين الثاني القادم، يتزايد الحديث عن وجهة هذه الانتخابات، كما تكثر التصريحات عن المال السياسي والسلاح، ودورهما في المعركة الانتخابية التي بدأ أوراها يستعر، وتتجدد المواقف بشأن استغلال المواقع الوظيفية في الدولة، وتسخير المؤسسات الحكومية لخدمة المشاريع الانتخابية للمهيمنين  على السلطة ومراكزها.

والحديث عن هذا وما يتداوله المواطنون ليس شبهة او تهمة تُلقى، بل هو حقيقة تتجول في شوارع المدن والقرى، وتدخل المضايف وقصور الدولة وممتلكاتها المصادرة او المباعة بأسعار بخسة. وهو الآن ليس همسا في الغرف المغلقة، بل إعلانات كبيرة تنتشر من جنوب الوطن الى شماله، مع مواقع يبدو انها تخضع بعد للمساومة والبيع والشراء في السوق السياسي  للمتنفذين .

احدهم صرح في مقابلة تلفزيونية قبل اشتداد وطيس الحملة الانتخابية، من دون تردد أو مواربة، بان المعركة القادمة هي "معركة مال". وهو بهذا أكد كمّ المليارات الكبير التي صرفت وستصرف فيها. أفليس من حقنا ان نتساءل مع المواطنين، من اين لهؤلاء هذه الكميات الهائلة من المال، وهم وأحوالهم معروفون جيدا للعراقيين؟

وما قيل يظهر بجلاء ان القادم لا علاقة له من قريب أو بعيد بمشاكل وهموم الوطن والمواطن، ولا بالبرامج والحلول المتعلقة بتجاوز ما تراكم من مشاكل وازمات على يد المنظومة المتنفذة ذاتها. انه صراع على النفوذ والسلطة وشراء الولاءات، مع استمرار الأدعاء بتمثيل "المكون" والتحشيد والتجييش الطائفيين واثارة الغرائز. 

وفي مقابل "معركة المال الانتخابية" وصقورها، هناك من المتنفذين من يحذر كلاماً من استخدام المال السياسي، ويدعو باسم النزاهة والشفافية للحفاظ على المال العام، فيما المواطن يكاد "يموت ضحكا" وهو يرى بأم عينه ما يحصل على الارض.

لكن يبقى صحيحا القول بان العراقي الأصيل والمخلص "مفتح مو باللبن، بل بالتيزاب" وهو يزداد ادراكا ان المال السياسي والسلاح المنفلت مشكلة كبرى، وانه يبصر بنفسه كيف تُشترى  بطاقة الناخب، وتتم رشوة مرشحين ليتنازلوا او ينسحبوا من هذا التجمع او ذاك. فيما يستذكر الآن فقط بعض المشاريع وتوزيع الأراضي، وتحويل مؤسسات الدولة الى منصات لتوظيف المال والنفوذ. ولا باس من تغليف ذلك عند الحاجة بتسمية "منجز" او "حكم الطائفة". أفليس محقا من يطالب الآن باستقالة من هم في مواقع المسؤولية، وبأن يتركوا الوظيفة العامة قبل ستة أشهر في الأقل من موعد الانتخابات ؟ وبأن يتم التطبيق الفعلي لقانون الأحزاب السياسية ؟

ولكن يخطيء كثيرا من يظن ان الانتخابات المقبلة هي "معركة مال " فقط. فالمال السياسي  كان فاعلا  في الانتخابات السابقة كذلك، سوى انه فشل في إرشاء الأغلبية المقاطعة او العازفة او شراء اصواتها. وهذا بحد ذاته يلقي مسؤولية كبرى على المواطن، الذي يئن ويتضور تحت وطأة تداعيات ازمة منظومة المحاصصة ونهجها الفاشل.

وتبقى الانتخابات رغم ثغراتها ونواقصها أداة سلمية ودستورية تسهم في تغيير موازين القوى  عبر المشاركة الواسعة والواعية للناخبين، وفي كسر احتكار السلطة من قبل المنظومة الحاكمة، التي تتغذى على ضعف المساهمة الشعبية في الانتخابات، وعلى تشتت أصوات قوى التغيير. ونقول بوضوح انه يمكن تفهم دوافع المقاطعة والحثّ عليها، لكنها في ظروفنا الراهنة تعني تسليم "الجمل بما حمل" مجددا الى من هو السبب في واقعنا الكارثي الراهن، والذي نتطلع جميعا الى تغييره ونهجه والخلاص من منظومته، وفتح فضاءات جديدة ينتظرها العراقيون.

ويتوجب الادراك عميقا ان المواطن بوعيه لمصالحه ومصالح الوطن والشعب عموما، هو نقطة الانطلاق وهو القادر على قلب الطاولة والقول بثقة: لن نسمح لكم بتدمير وطننا.

نعم، الكثير يعتمد على بنات وأبناء شعبنا بغالبيتهم، حين يتحررون من مشاعر الاحباط واليأس وينبذون شعار "آني شعليه".

وبعكسه سيضعون البلد مرة اخرى بيد من تسببوا فيما نحن فيه، فيستمر التدهور ولا ينفع بعدها عضّ الأصابع!

عرض مقالات: