ما يجري تحت مظلة "تحديث النظام المالي" وتحويل الرواتب إلى بطاقات إلكترونية كـ«الماستر كارد»، ليس سوى واجهة براقة لواقع أكثر قتامة، تسرق فيه حقوق الموظف والمتقاعد جهاراً نهاراً، وسط صمت رسمي مريب. ما يُسمى بـ "الاستقطاع الإلكتروني" الذي يتراوح بين 4000 إلى 7000 دينار شهرياً من كل بطاقة، ليس إلا نمطاً جديداً من الفساد المقنن. حيث يُفرَض على المواطنين دفع ضريبة لاستلام رواتبهم المستحقة، بينما الجهات الرقابية والمالية تتفرج أو تتواطأ بصمتها، وكأن الغبن صار جزءًا من الثقافة الإدارية.
الأسوأ من ذلك أن هذا النهب المستمر يقدَّم كأنه إنجاز عصري، فيما هو في جوهره شكل من أشكال الابتزاز الرسمي باسم التكنولوجيا. فكيف يعقل أن يحصل الموظف على زيادة سنوية لا تتجاوز بضعة آلاف من الدنانير، بينما يجبر على دفع أكثر من 100 ألف دينار سنوياً كـ«رسوم خفية» لشركات خاصة؟ إنها جريمة منظمة ترتكب يومياً بحق عشرات الآلاف من المواطنين، ويسأل عنها البرلمان، وهيئة النزاهة، وديوان الرقابة، ووزارة المالية، وكل من رضي بأن يستبدل الفساد القديم بثوب رقمي جديد.