في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات البيئية وتتعاظم الضغوط على الموارد الطبيعية، تبرز مسألة صيد الأسماك خلال مواسم التكاثر والتخصيب كقضية محورية تمس الأمن الغذائي الوطني، وتؤثر بشكل مباشر على استدامة الثروة المائية في بلادنا. إن قيام بعض الصيادين باصطياد الأسماك وهي في طور حمل البيض – المعروف محلياً بـ «الثرب» – لا يعدّ فقط مخالفة بيئية جسيمة، بل هو تعدٍ مباشر على دورة الحياة الطبيعية، وتهديد صارخ للثروات المائية في البحار، والأنهار، والبحيرات، وبحيرات السدود التي تشكل ركيزة أساسية للتنوع الحيوي ومصدراً مهماً للرزق والمعيشة للكثير من المواطنين. ففي موسم التكاثر، تدخل الأسماك في حالة بيولوجية حرجة، حيث تفرز البيوض وتبدأ عملية التخصيب الطبيعية، وهي الفترة التي يفترض أن تكون محمية بالكامل من أي نشاط صيد جائر. تجاهل هذه الحقيقة العلمية وتكثيف أنشطة الصيد في هذا الموسم، يُفضي إلى تراجع معدلات التناسل والتجدد الطبيعي، الأمر الذي يؤدي إلى شُحّ الأسماك، وارتفاع أسعارها، وتهديد الأمن الغذائي على المدى الطويل.
إن مسؤولية حماية هذه الموارد لا تقع على الجهات الرقابية فحسب، بل تتطلب وعيًا جماعيًا والتزاماً أخلاقياً من قبل الصيادين، والمواطنين، والجهات الإعلامية، والمؤسسات البيئية. فمن دون منظومة تشاركية حقيقية، يصعب الحفاظ على التوازن البيئي للأنهار والبحيرات، خصوصاً تلك التي تعتمد على تدفّق موسمي دقيق، كبحيرات السدود التي تعاني أصلًا تقلبات منسوب المياه. وعليه، فإننا نناشد الجهات المختصة، في وزارات الزراعة والموارد المائية والبيئة، تشديد الرقابة خلال هذا الموسم، وتفعيل قوانين منع الصيد خلال فترات التخصيب، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين. كما ندعو إلى إطلاق حملات توعية واسعة النطاق، تستهدف المجتمعات المحلية في المناطق القريبة من البحار والأنهار والبحيرات، للتأكيد على أن حماية الأسماك في موسمها ليست خياراً، بل ضرورة وجودية لضمان استمرارية الحياة المائية.
إن صيد الأسماك خلال فترة حمل البيض هو استنزاف للمستقبل، وتعدٍ على حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة وموارد طبيعية متجددة. فلنكن جميعاً صوتاً للطبيعة، وحماة لما تبقى من كنوز مياهنا.