انتهت يوم السبت السابع عشر من أيار أعمال مؤتمر القمة العربية واتخذت قرارات تتسم بالأهمية ومن بينها تحقيق التنمية المستدامة وهي تسمية عامة، لا ترتقي مع اتفاقيات سابقة اتخذها مجلس الوحدة الاقتصادية في الثالث عشر من آب عام 1964وقعت عليها المملكة العربية السعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان ثم التحقت بها الكويت في وقت لاحق، ووصل عدد البلدان المشتركة فيها 17 دولة عربية، وقد كانت مبادرة خيرة لتشجيع التكامل الاقتصادي بين الدول العربية بهدف تحفيز التنمية المستدامة وتنظيم التجارة والإدارة المشتركة للموارد الاقتصادي المتوافرة على امتداد الجغرافية العربية وتسهيل حركة السلع والخدمات وراس المال
لقد طرحت فكرة إقامة سوق عربية مشتركة بعد بضع سنوات من إبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية في عام 1950 وتبلورت الفكرة في عام 1959 بعد إسباغ كيان ذاتي على المجلس الاقتصادي المنصوص عليه في المعاهدة المذكورة، وقد أقرت استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك في قمة الدول العربية المنعقد في عمان عام ،1980 ورغم القناعات المشتركة بين الدول العربية بأهمية السوق إلا أن الفترة الماضية اتسمت بتراجع معدلات التنفيذ وقلة الإنجازات الحقيقية على الرغم من ظهور تكتلات اقتصادية كبرى على الصعيد العالمي كالوحدة الاوربية وتجمع تافتا في أمريكا الشمالية والتمع الاقتصادي الاسيوي (أسيان ) وظهور تكتلات جديدة (معاهدة شنغهاي ) وتجمع دول بريكس الذي أضيفت اليه العديد من الدول بينها مصر والسعودية وايران.
وطبقاً لقاعدة بيانات ومعلومات المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجماعة الدول العربية فأقر المجلس القرار رقم (1317 د 59) بتاريخ 19 شباط 1997 البرنامج التنفيذي وجدوله الزمني لإقامة منطقة تجارة حرة عربية وفقاً لأحكام اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، وتتماشى هذه المنطقة مع أحكام منظمة التجارة العالمية، وقواعدها العامة المنظمة للتجارة العالمية، على أن تدخل حيز التنفيذ مطلع كانون الثاني 1998 بنسبة تخفيض 10 في المئة سنوياً.
وتضمنت الاتفاقية تحرير كل السلع العربية المتبادلة بين الدول الأطراف وفقاً لمبدأ التحرير التدريجي الذي طبق بدءاً من كانون الثاني 1998، على أن يجرى إنجاز التحرير الكامل لكل السلع العربية مع نهاية الفترة المحددة لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية بتاريخ كانون الثاني 2005، ويمكن باتفاق الدول الأطراف في أثناء تنفيذ البرنامج وضع أي سلعة تحت التحرير الفوري، كما ينطلق التحرير المتدرج على قوائم السلع العربية التالية السلع الزراعية والحيوانية، ما يعني تحرير كل السلع الزراعية وإعفائها من كل الرسوم الجمركية، والضرائب ذات الأثر المماثل.
ومن الواضح أن الرغبة المشتركة بين بعض الدول العربية المبادرة قد ساهمت في إيجاد نوع من التكامل الاقتصادي للارتقاء باقتصاداتها ومواجهة المنافسة الاقتصادية التي تشتد في بعض المراحل حتى تصل إلى حد قطع العنق ومواجهة العولمة التي تمنح الفوائد لتلك التكتلات العملاقة التي يتعذر مواجهها في ظل اقتصادات متخلفة تعتمد في احسن حالاتها على البترول والرغبة في اللحاق بالاقتصادات المتطورة على النطاق العالمي. غير أن مثل هذه السوق المرتقبة لا يمكن بناؤها على رغبات عابرة أو موسميه تقررها سياسات تفتقر إلى الاستقلال السياسي الوطني لبعض الحكومات وانما تتطلب قبل كل شيء توطيد استقلاها السياسي والقدرة على اتخاذ قرارات غير خاضعة للضغوط الخارجية وانما تتطلب دراسات معمقة لطبيعة اقتصاداتها وآفاق تطورها عبر الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة ولدراية التامة لأبرز التحديات التي تواجهها ومعالجتها في إطار من العمل المشترك تتداخل في جهود الكفاءات الاختصاصية عبر مؤتمرات لدراسة كل ما من شانه تشخيص العوائق واليات التخلص منها ومن بين هذه التحديات الواجب مواجهتها ابتداء الاختلاف في المواقف السياسية خاصة الناجمة عن الضغوط الخارجية التي تمارسها مجموعات ضغط تنطلق من أهداف الاستحواذ على أسواق وموارد الدول العربية عبر الفجوات الكبيرة بين اقتصادات رأسمالية متطورة تقابلها اقتصادات متباينة في مستوى تطورها وتفتقر إلى التنسيق المشترك، أليس ذلك أفضل من تعزيز الاقتصاد الأمريكي بتريليونات الدولارات الاقتصادات العربية أولى بها ؟