اخر الاخبار

الجميع يأسف لما حلّ برياضة الوطن من فشل وتقاطعات وتناحر ومشاكل لا أول لها ولا آخر. فجميع المؤسسات الرياضية القيادية تعاني من المشكلات نفسها، وكأننا خُلقنا للصراعات والمشاكل، دون رادع أو رقيب. وأتذكّر أنني، في أحد الأيام الأولى للتغيير، عندما كان يقود الرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية العراقية المرحوم أحمد الحجية، وكانت تلك الخلافات والمشاكل في أوجها (وكلٌ يدّعي وصلاً بليلى!)، قلت له: "أقترح عليكم أن تعملوا على تقسيم العاملين في المؤسسات الرياضية إلى طرفين: طرف أول، وهم العاملون في المؤسسات، تشرفون أنتم على عملهم بحكم قيادتكم الرسمية، وطرف ثانٍ، وهم المعارضون، يكون بإشراف أحد أعضاء المكتب التنفيذي وتحت إشرافكم المباشر؛ عندها يمكنكم السيطرة على الرياضة وتفاصيلها."

لكن الأحوال تغيّرت اليوم، وأصبح المشهد الرياضي يعج بالجماعات والشلل والإقطاعيات. وعلى الرغم من كل المحاولات والجهود التي تبذلها الجهات الرسمية، فإن المشاكل قد تفاقمت حتى وصلت إلى مستويات مضاعفة، ولا مجال لحلّها، لأن الجميع لا يعرف سوى لغة "التخوين" والعدائية، ولا مكان للعقل الإنساني أو لغة التسامح.

وهكذا، نجد أن الرياضة، كما هو الحال في بقية قطاعات الحياة، زُرعت فيها بذور اللعنة والاختلاف. وقد ظهرت هذه الخلافات بوضوح في مجال كرة القدم، إلا أن الصراعات تمتد إلى مختلف المجالات الرياضية، وهي ملتهبة على كل المستويات، ولا أملا في حلّها بالتراضي.

وأعتقد أن الواقع الرياضي عانى كثيرًا من تسلّط النموذج الديكتاتوري بشكل مباشر وحاد لفترات طويلة (عدي)، وكان ردّ الفعل حادًا وقويًا نتيجة لذلك. كما أن غياب النموذج الديمقراطي عن المؤسسات الرياضية، والتي كانت خاضعة للتلاعب والعبث من قبل أبناء النظام وحماياته، هو ما أوصلنا إلى هذا الحال.

واليوم، نجد أن النماذج السائدة في المؤسسات الرياضية تنتمي إلى جماعات الأحزاب الدينية والقومية والمناطقية والعشائرية. وبسبب هذه الولاءات والتكتلات، أصبح الغياب جليًا لأصحاب الخبرات والكفاءات والشهادات والمعارف العلمية. ولهذا، فإن القطاع الرياضي عانى من الفشل والإحباط والتغييب المتعمد للكفاءات، ما أدى إلى واقع رياضي بائس ونتائج مخيبة، في حين سبقتنا دول الجوار والمنطقة والعالم بخطوات واسعة، وبقينا نحن، في بلد الحضارات والتاريخ، نتعثر في خطواتنا الأولى والأصعب.

لذا، أقول لقادة الرياضة وزعماء الحركة الرياضية، وقادة المؤسسات السياسية وأحزابها: اتركوا الرياضة لأهلها، ولا تتدخلوا فيها، ولا تزرعوا فيها بذور المحاصصة، ولا تدمّروها من أجل حماية أبنائكم وبناتكم. فالمجال الرياضي وسط شفاف، حساس، ومتسامح؛ فلا تكرّروا ما فعله النظام المقبور حين اقتحم الرياضة وخربها خدمةً لمصالحه ومصالحه الحزبية الضيقة، مما تسبب في غرق الرياضة وإخفاقها وضياعها.

ولا نزال نحصد "إنجازات سياستكم الفاشلة" منذ أكثر من عقدين في القرن الحادي والعشرين. فاتركوا الرياضة لأهلها وأبنائها. وأنتم يا مَن اقتحمتم الميادين والساحات الرياضية دون أهلية، غادروها غير مأسوفٍ عليكم... ولنا عودة.