اخر الاخبار

هل رفعت حركة السلام الراية البيضاء؟ سؤال يستمد شرعيته من تردد أصداء الحروب في جميع أنحاء العالم، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، ومن أفريقيا إلى شبه القارة الهندية. سؤال يردده باستمرار أنصار السلام وقراء تجاربهم النضالية طيلة عقود مضت، أولئك الذين تعلموا كراهية الحروب وخبِر بعضهم ويلاتها، وعايشوا بحزن شديد نجاح العدو في تصفية وتخريب المنظمات الاجتماعية الدولية.

وكان بديهياً أن تجد أطياف اليسار المختلفة، باعتبارها أصدق المدافعين عن السلام، نفسها ملزمة بالبحث عن إجابات، ودراسة أسباب المشكلة وتحديد سبل مواجهتها، بالتزامن مع كفاحها المتواصل ضد توسيع الأحلاف العسكرية، وتبصير الناس بالمخاطر الكبيرة على البلدان التي تنخرط فيها، وفي مقدمتها الانجرار إلى حروب وصراعات الآخرين، وهيمنة القلق وعدم اليقين على الحياة السياسية والعلاقات الإقليمية، وتهديد ركائز الديمقراطية وما حققته الشعوب من مكتسبات في نضالها العنيد.

وفي سياق هذا البحث، فضح اليساريون أشكال التخريب الذي تعرضت له حركات الدفاع عن السلام، سواء في تصنيفها كمنظمات مناهضة للديمقراطية ذات نظرة عالمية تآمرية، أو في الخطط التي رسمت ونفّذت لتدجينها وخلق منظمات شبيهة لها والعمل على تجريدها من الأنصار وحرمانها من أي اهتمام إعلامي وحجب التبرعات والتمويل عنها، أو في نشر الاكاذيب ضدها كالادعاء بأنها تشجع على الانحلال الجنسي والمثلية وتضلل الناس حين تحذر من مخاطر خراب البيئة، وتتآمر لضرب الشركات المنتجة للخيرات والتطور الرقمي.

ولأن فكرة الحرب باتت مشوشة بعد أن كانت واضحة في وعي الناس فيما مضى، نجحت بعض أطراف اليمين المتطرف، كأتباع العالمين جلين ديسن وأولا توناندر وحزب سارة فاجنكنيشت في ألمانيا وحزب اندرياس سيدكفيست السويدي وغيرها، في اختطاف بعض حركات السلام وفرض شعارات ملتبسة عليها بغية تطويعها واستخدامها لإنعاش فكرة المؤامرة والتبشير بوجود قوى مخفية تدير العالم من وراء حجاب.

ولهذا كان لابد لليسار من أن يكون واضحاً في التمييز بين الدفاع المطلق عن السلام، وهي مهمة نبيلة تكشف دوماً على أن مستقبل البشرية يبقى خياراً من إثنين، إما اشتراكية أو بربرية، وبين تقييم الحروب على أساس المصالح الطبقية لمن يخوضونها، حيث لا يتردد اليسار في إدانة الأطراف التي أشعلت الحرب – وأحياناً يشمل ذلك جميع المتحاربين العدوانيين – وفي التنبيه لخطر الوقوع في ما يسمى بحالة الحنين إلى الماضي الفكرية والقومية والدينية، تبرر العدوان بحجة الصراع ضد الإمبريالية أو ليس في الإمكان أحسن مما كان. ويشدد اليسار، حينما يدعو لإيقاف القتال وإطفاء بؤر التوتر، على أن أفضل عمل من أجل السلام هو دعم القوى الديمقراطية المناهضة للعدوان.

ورغم أن الدفاع عن السلام كان مهمة أكثر سهولة في القرن الماضي وأقل مواجهة للتحديات، فلايزال الكثيرون يستيقظون من السبات وينخرطون في الجهد النبيل ويطلقون النداءات للكف عن إرسال الأسلحة والأموال لبؤر التوتر، وللتدخل لإطفائها، ويعبئون الآلاف في تظاهرات وفعاليات من أجل السلام.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن اليسار قد أحدث تغييرات مهمة في طبيعة هذه الحركات حيث جرى توسيع نطاقها ليشمل قضايا النسوية والبيئة ومواجهة العولمة، استناداً إلى الترابط الوثيق بين هذه القضايا وبين الدفاع عن السلام، لاسيما حين يكون مصدر الخطر بكل ذلك، الرأسمالية وعولمتها المتوحشة.

وفي العراق، الذي ربما كان أحد أكثر المجتمعات تعرضاً لويلات الحروب وراضخاً لنتائجها الكارثية، تبرز الحاجة لتفعيل حركته العتيدة في الدفاع عن السلام وتنسيق جهودها مع كل أنصاره ومع منظمات المجتمع المدني المعنية، لما لذلك من ضرورات وطنية وانسانية.

عرض مقالات: