اخر الاخبار

شهدت أسعار النفط العالمية انخفاضا وصولًا إلى 7 في المائة منذ السابع من نيسان لهذا العام، ويُعد هذا الانخفاض الأكبر منذ عام 2020. وقد جاء هذا الانخفاض المفاجئ بعد سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة والتي شملت العشرات من الدول في كل القارات، وفي مقدمتها الصين. وقد تركت ارتدادات هذه القرارات أثرًا خطيرًا على النمو الاقتصادي وانعكست مباشرة على أسعار البترول، وإذا استمرت الأزمة 3 أشهر ستتحول إلى خطر محدق بالاقتصاد العراقي.

وإثر هذا الانخفاض الصادم، كشف صندوق النقد الدولي في التاسع من نيسان أن العراق يحتاج إلى 92 دولارًا للبرميل كي يحقق توازنًا في موازنته المالية لعام 2025. وحسب توقعات البنك المذكور، فإن متوسط سعر برميل النفط لهذا العام سيكون 66.9 دولارًا للبرميل بانخفاض نسبته 15.5 في المائة، على أن ينخفض مجددًا إلى 62.4 دولارًا في عام 2026. وهذا يعني أن العراق سيكون من أوائل الدول التي ستتأثر بانخفاض أسعار البترول قياسًا بالدول الأخرى المنتجة والمصدرة للبترول، إذ يعتمد بنسبة 90 في المائة على الموارد النفطية في تمويل الموازنات السنوية، في وقت لا تزيد مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى في أحسن الأحوال على 14 في المائة.

وفي مواجهة هذه التوقعات وآثارها، كان الرد الحكومي بأن الخطط المالية أخذت بنظر الاعتبار كافة الاحتمالات والتحوط لهذه الأحداث مع تدابير مالية مختلفة ضامنة للنفقات الضرورية، وفي مقدمتها تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية وتنفيذ المشاريع الخدمية وفق البرنامج الحكومي بشكل مرن دون توقف بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص. ولهذا أخذت الحكومة بنظر الاعتبار مبررات تأخير إرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب بغية تكييف الإيرادات والنفقات لتفادي حدة الأزمات الاقتصادية.

غير أن الوقائع وتحليل خبراء الاقتصاد يؤكد أن تراجع أسعار النفط إلى 65 دولارًا للبرميل أو 60 دولارًا سيؤدي إلى تراجع كبير في إيرادات العراق وبالتالي زيادة في العجز الموجود في الموازنة الذي يقارب 49 مليار دولار لعامي 2023 و2024. وحتى لو افترضنا عدم تأثيرها على الرواتب والمعاشات، لأن هذه النفقات بمجملها لا تصل إلى 80 تريليون دينار من موازنة تصل إلى 200 ترليون دينار. ومن المتوقع أن ينخفض سعر برميل النفط إلى 60 دولارًا، وفي هذه الحال حتى لو اضطرت الحكومة إلى صرف 1 على 12 من قيمة موازنة العام الماضي استنادًا إلى المادة 13 من قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 6 لسنة 2019، فإن هذه المعادلة لن توفر للحكومة السيولة الكافية لتسديد رواتب الموظفين، وهذا يعني أن العجز الكلي في الموازنة سيكون بنحو 25 في المائة لرواتب الموظفين فقط، ناهيك عن باقي النفقات التي تعاني من مبالغات غير منطقية.

إن الحقيقة الماثلة للعيان هي أن ما يجعل العراق عرضة لمزيد من المخاطر والأزمات الاقتصادية يتمثل بعدم نجاح الحكومة في تنفيذ برنامجها في مجال منهاج النمو الاقتصادي الذي يقوم على التحول التدريجي من الاقتصاد الريعي الحالي المعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل إلى اقتصاد متنوع الدخل. فإن شيئًا من هذا المنهج لم يحصل سواء في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وإصلاح النظام الضريبي واستمراره في سلاسل توريد السلع الاستهلاكية والتركيز على قطاع التجارة التي باتت منفذًا خطيرًا في إعادة العملة الصعبة إلى السوق العالمية والتلكؤ الصادم في تشجيع الإنتاج المحلي بسبب ارتباطه بالسوق العالمية. كل ذلك يعبر عن فشل السياسة الاقتصادية التي أدت إلى غياب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتراجع في تنفيذ البرامج الحكومية والبرامج الإصلاحية التي تكرر الحديث عنها في كل التشكيلات الحكومية المترادفة.

ولمواجهة الأزمة المالية المحدقة نتيجة انخفاض أسعار البترول، فإن هذه الحكومة وأية حكومة تليها مطالبة بمراجعة السياسات الاقتصادية في كافة نواحي الاقتصاد وإعطاء الأولوية لتنشيط الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل عبر إنشاء صناديق سيادية داعمة للاستثمار في قطاعات الاقتصاد الإنتاجية.

عرض مقالات: