للإنصاف، يستحق صاحبنا الشفقة والعطف بسبب "الخنقة" التي هو فيها، فان الجميع راضون عنه، والجميع يحفرون تحته. يعلم القليل مما يبيّتُ له، ويجهل الكثير مما يحيط به. يذهب إلى زيدٍ فيقول له: امض ونحن من ورائك، ويذهب إلى عمر فيشد على يده: أنا وعشائري معك، ومشكلة صاحبنا أن زيدا وعمر عدوان في قارب واحد، وحين يستدير إلى استراحةٍ تأتيه النبال من كل جانبٍ، وغالبيتها تأتي من أبناء العمومة والقَسَم. يلبس البدلات الافرنجية فيأخذ عليه القوم تعالياً على الشعب، ويرتدي الصاية والعباءة والعقال فيرمونه بأبيات الشعر الهازئة، اما حين يلتقي "الأصدقاء" عبر الحدود، فهذا يعطيه جرعة الشجاعة المسمومة ليغير بها على "العدو" وذاك يلومه ويحزّمه برباط الخيل كي لا يتراجع أمام العدو، وصاحبنا، أضاع وسائل التمييز بين العدو والصديق، فيحكّ رأسه متأملا ما ينتظره من مصير وما يهدده من منزلق. الأرض التي تحت أقدامه عاثورة، والصعود وعرٌ، حيث بلى نعاله من الحصى، وهو حائر أيّ الخيارات يختار، ومعلوم ان الشاعر العباسي عبدالواحد البصري المسمى بـ"صريع الدلاء" كان ينصح الحائرين بالقول:
"مَنْ لمْ يَرِدْ انْ تَنتقِبْ نِعالُهُ/ يحمِله في كفّهِ إذا مشى"
ومَنْ أرادِ انْ يصونَ رِجْلَه/فلِبسه خيرٌ له من الحَفا".
*قالوا:
"أنا حيران، وفي الأمر وضوحٌ والتباس".
ابن زيدون