يُعد الاستثمار أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي، إذ يتمثل في القدرة على توظيف رأس المال في مختلف الأنشطة الاقتصادية والحياتية، بما يسهم في تحقيق منافع مالية تدعم الاقتصاد الوطني. ولا يقتصر هذا الأمر على القطاعات الصناعية أو الخدمية فحسب، بل يشمل أيضًا القطاع الرياضي، الذي أصبح مجالاً حيويًا يتيح للعاملين فيه تحقيق أرباح ومكاسب تُسهم في تطوره ونهوضه.
لقد ظلت المؤسسات الرياضية في العراق، ولسنوات طويلة، كيانات استهلاكية تعتمد كليًا على التمويل الحكومي، مما جعلها عبئًا على الدولة. فغالبية الأندية الرياضية تعتمد على الدعم المالي الكامل من مؤسسات الدولة، لتغطية عقود اللاعبين والمدربين، وتوفير مختلف الخدمات التي تضمن استمرار نشاطها الرياضي. وبهذا، ظلت الأندية الرياضية قطاعًا غير منتج، يستهلك المال العام دون أن يحقق عوائد اقتصادية ملموسة.
لكن في المقابل، يمكن للرياضة أن تشكّل قوة اقتصادية داعمة للاقتصاد الوطني، إذا ما تم توجيهها نحو الاستثمار الصحيح. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية تفعيل الاستثمار الرياضي، خصوصًا في ظل وجود قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 المعدّل، والذي يحتوي على الكثير من الحوافز والمزايا، إلى حين تشريع قانون خاص بالاستثمار الرياضي.
ويُذكر أن مسودة قانون الاستثمار الرياضي تمنح المستثمرين، سواء من العراقيين أو الأجانب، ضمانات وإعفاءات وتسهيلات واسعة، تُشجع على دخولهم إلى القطاع الرياضي، مع توفير فرص استثمار طويلة الأمد تسهم في نقل التكنولوجيا وتنمية البنى التحتية الرياضية.
إن الواقع المالي الحالي للأندية الرياضية، التي تمثل في معظمها مؤسسات حكومية، يُشكّل عبئًا ثقيلًا على ميزانية الدولة، نتيجة الاعتماد الكامل على المال العام. لذا، ندعو إدارات الأندية الرياضية إلى استثمار قدراتها ومرافقها من أجل تحقيق الاستقلال المالي، من خلال تفعيل مجالات الاستثمار المتاحة في ملاعبها ومنشآتها، وفي أنشطة رياضية وغير رياضية تدر أرباحًا وعوائد مالية.
ونرى في تجارب الدول المجاورة والعالمية مثالًا ناجحًا في هذا السياق، حيث تحولت الأندية إلى مؤسسات اقتصادية متكاملة، توسعت في أنشطتها لتشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية والترفيهية، محققة بذلك أرباحًا كبيرة ساعدتها في تطوير رياضتها وتحقيق الإنجازات.
إن استمرار اعتماد الأندية على الدولة لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، بل أصبح من الضروري أن تتحمل هذه المؤسسات مسؤولية تمويل نشاطاتها، وتسعى للتحرر من الدعم الحكومي، مما يتيح للدولة تركيز مواردها على أولويات أخرى، ويسهم في بناء قطاع رياضي وطني مستدام ومزدهر.