اخر الاخبار

ما أعلنته وزارة الزراعة أخيرا عن تجهيز مساحة تقارب ٨٠٠ ألف دونم للاستثمار خلال ٢٠٢٥، اثار اهتمام المتابعين والمتخصصين. والامر لا يتعلق بأهمية الاستثمار من عدمه، بل بالإجابة على السؤال الملح: من أين سنأتي بالمياه لهذا التوسع في استغلال الأراضي، والتي ستكون على الاغلب في المناطق الصحراوية، بمعنى الاعتماد على المياه الجوفية؟

وهذا يقود الى موضوع المياه المذكورة، التي يُقدر المتجدد فيها سنويا لعموم البلاد بين١٫٢ و١٫٨ مليار متر مكعب (حسب دراسات سابقة بحدود ٤٫٨ مليار م3). وهي في مناطق كثيرة غير متجددة او متجددة جزئيا وملوحتها عالية نسبيا. ثم ان منسوب المياه الجوفية انخفض١ – 5 أمتار خلال الـ ١٥ سنة الأخيرة وقد يتفاقم، يضاف لهذا ازدياد الملوحة وتدهور نوعية المياه. ووفقا لسياسة الاستدامة المعتمدة بشأن المياه الجوفية فان الكميات المسموح بضخها سنويا تقارب ١٫٥ مليار م3.

تؤشر الأرقام أعلاه محدودية التوسع في استخدام المياه الجوفية، وتواجه خطر التدهور النوعي والاستنزاف في ظل توسع عشوائي عمليا، خاصة وان الابار الجديدة تحفر تحت ضغوط إدارية وسياسية، وبعيدا عن الضوابط الفنية، بدليل وجود ٤٠ ألف بئر غير مرخصة في عموم البلاد.

ومن التساؤلات المحقة: لماذا نتوسع في الصحراء ولا نعير الاهتمام للأراضي الصالحة للزراعة، والتي تتدهور خصوبتها ونوعيتها وتتكاثر الاملاح فيها، وتخرج سنويا مساحات كبيرة منها عن كونها صالحة، بل وعمليا توقف الاستصلاح، ولا تجري صيانة وادامة المستصلح من الاراضي.

وقد يقول الفلاحون والمزارعون: إذا كانت هناك إمكانية للتوسع في استثمار أراضي جديدة، فلماذا تقلص المساحات المزروعة في الخطط السنوية لوزارة الزراعة، وذلك ما يحتج عليه المتضررون (وهم غالبية الفلاحين والمزارعين)؟

اليس بين الأسباب الرئيسة للتقليص عدم وجود المياه الكافية؟

وقد سبق إطلاق تحذيرات كثيرة من ان البلد متجه الى شح شديد للمياه، ويتمثل السبب الرئيسي لذلك في عدم تسلم العراق حصة عادلة في مياه دجلة والفرات. فقد تصرفت تركيا وإيران وفقا لمصالحهما دون أي اعتبار لمصالح دولة المصب. حيث اقامت تركيا منظومة سدود ضخمة في جنوب شرقيها، بينما إيران غيرت مجرى ما يقرب من ٤٢ نُهيرا ورافدا نحو أراضيها بدل التدفق الاعتيادي الى الأراضي العراقية.

هنا نتحدث عن السبب الرئيسي للشحة المائية، التي تلوح بسببها في الأفق كارثة، لا يُعار لها الاهتمام حتى الان، إضافة لعوامل أخرى ذات علاقة بالمناخ وهطول الامطار والثلوج.

ويبدو ان الحكومات المتعاقبة لم تكترث للتداعيات الكبيرة المحتملة، بما فيها إمكانية جفاف النهرين، حيث حددت تقارير سنة ٢٠٤٠ موعدا لوقوع هذه الكارثة، ان استمرت الأحوال الراهنة.

نشير أيضا الى ان خزيننا المائي دون معدلاته بكثير ولا يتجاوز ١١ مليار م3 حسب وزارة الموارد المائية (تقدر احتياجات العراق السنوية بـ ٥٠-٦٠ مليار م3)، فيما السنة المائية تنتهي في أيار الجاري. ولا توجد مؤشرات على زيادة الإيرادات المائية، كما ان الماء الوارد لحوضي النهرين من ذوبان الثلوج منخفض جدا عن معدلاته السنوية.

عليه تقود المؤشرات الى استنتاج مقلق جدا وحتى مخيف، مفاده ان صيف ٢٠٢٥ سيكون قاسيا.

ويبقى السؤال: الى متى السكوت على هذه الحقائق الصادمة، وعدم مصارحة الشعب بها؟ ومتى المبادرة بشجاعة الى اتخاذ إجراءات فعالة لدرء الكارثة المحدقة؟ علما ان الأساسي هنا هو انتزاع حصة عادلة للعراق في مياه النهرين.

ان الوقت ينفد، وصار الحؤول دون بلوغ ازمة المياه ذروتها، وتحوّل العطش الى واقع في بلاد الرافدين وليس خطرا محتملا.. مهمة وطنية عاجلة لا تقبل التأجيل.

عرض مقالات: