تشكل البطالة في العراق الظاهرة الأكثر خطورة، ليس فقط بسبب انعكاساتها السلبية على حياة الشباب وتمتد على عموم السلم المجتمعي زيادة على دورها الخطير في هدر الطاقات البشرية التي اكتسبتها، من خلال العملية التعليمية التي قضت فيها سنوات من التعلم في مجال المهارات والتدريبات المهنية والعلوم الاجتماعية والثقافات المعرفية وكل تلك التخصصات التي اكتسبتها هذه الشريحة الواسعة من المجتمع وأهلتها لتكون قوة عاملة جديرة في إنجاح عمليات التنمية المستدامة.
إن ظاهرة البطالة لم تأت من فراغ، فإن السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة والتي أسست لها من خلال رؤية الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003 وحددت ملامحها في السنوات اللاحقة وتجسدت في تراجع الأداء الاقتصادي وفشله في تحقيق معدلات تنمية متقدمة والتي يقدرها الاقتصاديون ب 2 في المائة بما تقل عن معدل الزيادة السكانية البالغة 2.8، وتبديد الثروة المتولدة عن الريع النفطي نتيجة انتشار الفساد الإداري وسكوت الدولة عن تزايد هذه الأمراض الخطرة وغض الطرف عن مرتكبيها يتبدى بمشاريع وهمية غير منتجة وغير مجدية اقتصاديا، الأمر الذي لم يكن بوسعها استيعاب قوة العمل المتاحة، والأثر السلبي للسياسة التجارية الاستهلاكية المخططة إلى تحرير التجارة من القيود التشريعية الداخلية وانعكاساتها على القطاعين العام والخاص وتلكؤ عملية إعمار العراق رغم المنح الكبيرة المقدمة من دول التحالف الدولي والتي زادت عن 50 مليار دولار والتي لم تولد سوى 20 ألف فرصة عمل.
من تصريحات مستشار رئيس الوزراء المنشور في الصحافة العراقية إن الحكومة تتجه لتخفيض معدلات البطالة نحو 4 في المائة بصورة تدريجية عبر سياسات دعم التنمية ومنهج اقتصادي يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي بتحقيق هدفين الأول رفع معدلات النمو في الإنتاج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى ما لا يقل عن 5 في المائة والثاني خفض معدلات البطالة تدريجيا وصولا إلى 4 في المائة. وهذه الأهداف تتحقق عبر التنوع الاقتصادي وعن طريق توسيع الصناعة التحويلية القادرة على امتصاص 60 في المائة من البطالة ويؤدي إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وزيادة الإنتاج المحلي الإجمالي بوتيرة متسارعة وهذا بحسب تصريح المستشار يتم بثلاث سياسات : الأولى السير بمبادرة القروض الشبابية التي استفاد منها العشرات (وفي هذا المجال لم تتضح نتائج القروض السابقة الممنوحة للشباب في مشاريع صغيرة ومتوسطة)، والسياسة الثانية تأسيس بنك الريادة كمصرف خاص يحظى بدعم حكومي واسع ويهدف إلى منح قروض للمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة (وهذه السياسة فيها من الغموض ما يلفت الانتباه إلى عجز هذا البنك في تحقيق نجاحات ما لم تستطع المصارف القائمة سواء الحكومية او الأهلية بقضها وقضيضها من تحقيق النتائج المستهدفة)، والسياسة الثالثة تشكيل لجنة الضمانات السيادية التي تقوم بتدعيم الصناعات الأهلية الكبيرة من خلال قروض مصرفية يتم تأمينها من كبريات الدول الأوروبية واليابان وغيرها بضمانات سيادية من الدولة العراقية، التمويل واستيراد خطوط انتاج صناعية متقدمة تتحمل الدولة 85 في المائة من تكاليف القرض، وهنا تثار الأسئلة التالية ماهي مبررات إنشاء مصرف مملوك للقطاع الخاص ليس لخزينة للدولة فيه من نصيب ؟ ثم وهذا منهج غاية في الغموض لماذا تتحمل الدولة 85 في المائة من تكاليف القروض لمصانع أهلية كبيرة وما هو دور صاحب المشروع الصناعي الكبير صاحب القدح المعلى. وتبقى هذه السياسات الثلاث محط تساؤل ومضامين وكيفيات مجهولة التفاصيل!!
إن السياسة الاقتصادية الطموحة حقا والكفيلة بإصلاح ومعالجة أزمة الاقتصاد العراقي تكمن في تنويع الاقتصاد وفق خطط استراتيجية واضحة وملزمة التنفيذ وتنشيط المدن الصناعية على أساس التجربة العالمية وإجراء التعديلات على قوانين البنك المركزي المتعلقة بالسياسة النقدية وقانون الإدارة المالية والدين العام وتنشيط دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تطوير سوق العمل عبر تطوير مهارات القوة العاملة وتنظيم تشريعات هذا السوق بما يوفر الحوافز للطبقة العاملة وتطوير قانون العمل والضمان الاجتماعي والقوانين الأخرى المنسجمة مع لوائح منظمة العمل الدولية.