اخر الاخبار

ما زال الاقتصاد العراقي يعيش أزمة عميقة وشاملة تمتد جذورها إلى سياسيات ما قبل عقدين من الزمن، وما زالت عملية إصلاح هذه الأزمة تدور حول نفسها، بسبب التخبط في استراتيجيات التنمية التي وصل عددها إلى خمس دون أن تسفر عن نتائج واضحة، تتجلى  في انخفاض معدلات التنمية وارتفاع  معدلات البطالة وغياب التطور الملموس  في قطاعات الصناعة وبقية قطاعات الاقتصاد الأخرى، ولكن الأزمة اكتسبت ملامح جديدة  وتبدلت جوهريا الشروط التي تحكم نهج التطور في البلاد بسبب التوازنات السياسية الداخلية والخارجية المتجهة بقوة لصالح التطور الرأسمالي بصورته الليبرالية المتوحشة.

فالمشروع الاقتصادي في العراق بعد عام 2003 حمل في أجنداته مشروع المحتل الأمريكي الخاص الذي يلخص الرؤية الامريكية في إعادة بناء العراق الجديد على أساس الليبرالية الجديدة المعولمة لتنفيذ مشروعه السياسي الاقتصادي،  وأوهم الناس أن مجلس الحكم المبني على قاعدة الطائفية الاثنية ، هو الذي يضع السياسات  واضعا في مقدمة أولوياته تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد السوق المفتوح  وتحديد 192 شركة من شركات وزارة الصناعة على لائحة الخصخصة على أساس مبدأ التكييف الهيكلي ، وبيعها بأرخص الاثمان،  غير أن تحديات كبيرة واجهت تنفيذ هذا الطريق  فاتجهت السياسات إلى الاقتصاد الريعي  وبهذا الاتجاه فتحت بوابات الفساد بأوسع نطاق.

إن دواعي الإصلاح الاقتصادي يقصد بها مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة او السلطات الاقتصادية بهدف التخفيف من أو إزالة التشوهات في الهيكل، او الأداء الاقتصادي، أو لغرض تحقيق زيادة مضطردة في معدلات النمو الاقتصادي، أو أنه ذلك الاصلاح الذي يحقق أفضل تعبئة للموارد وللفائض الاقتصادي ليوجهها إلى مجالات النشاط الاقتصادي الأكثر فاعلية والأكثر تحقيقا لمتطلبات الأمن القومي والاجتماعي. غير أن الحكومة أخذت بالرؤية التي اعتمدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي عبارة عن حزمة من السياسات التي تعنى بإدارة الطلب الكلي بحيث يتوافق مع الناتج المحلي الإجمالي التدفقات العادية للموارد الخارجية عبر إجراءات منها تعديل سعر الصرف للدينار العراقي لإزالة التشوهات الناتجة عن المغالاة في تحديده وتقييد الإنفاق الحكومي بهدف تخفيض العجز في الموازنة العامة وإلغاء سياسة الدعم السعري والقضاء على التشوهات التي تنتاب الأسعار في نظام السوق والتخفيف من قيود التجارة الخارجية والسعي نحو تحريرها. وكل هذه السياسات قادت التحول نحو اقتصاد السوق.

إن مخرجات السياسات الاقتصادية التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة تمثلت باختلال التوازن في الاقتصاد العراقي واقتصاره على اقتصاد الريع النفطي والانخفاض المستمر في معدلات النمو في الناتج المحلي الاجمالي وتدهور قطاعاته الاقتصادية السلعية في القطاعين العام والخاص وتصاعد نسبة البطالة التي لا تقل عن20 في المائة من القادرين على العمل والراغبين فيه، مما أنتج مستوى ما تحت خط الفقر بما لا يقل عن 30 في المائة في الظروف الحالية. وهذه الظاهرة انتجت اتساع نطاق الفساد الإداري والمالي ونشوء طبقات طفيلية اعتاشت على هذا النموذج من الاقتصاد، وأهمل دور الصناعة والزراعة بحيث انخفضت مساهمتها في الناتج المجلي الإجمالي إلى اقل من 5 في المائة، وارتفعت مستويات الأسعار المقترنة بارتفاع معدلات التضخم، وخروج العملة الصعبة المولدة عن طريق الاقتصاد الريعي إلى الخارج عبر قنوات التجارة، يضاف اليها اتساع ظاهرة غسيل الأموال واتساع نطاق الفقر وتردي السلوك الاجتماعي وخاصة في أوساط الشباب.

إن الإصلاح الاقتصادي يجب أن ينصب في إعادة  التوازن إلى الاقتصاد العراقي وتخليصه من طابعه الريعي وتفعيل القطاعات السلعية الانتاجية وحمايتها من منافسة السلع الرديئة المستوردة، ودعم كافة القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع المختلط والتعاوني وتأهيل المصانع وشركات التمويل الذاتي والاهتمام بقواها الانتاجية والتكامل بين الزراعة والصناعة على طريق دعم الصناعة التحويلية والتنسيق الكامل بين السياستين المالية والنقدية كجزء من استراتيجية تنموية مستدامة وتطوير العلاقات الاقتصادية مع كافة دول العالم على أساس تكافؤ الفرص في التعاملات التجارية وتفعيل قوانين حماية المنتجات العراقية وحماية المستهلك ومنع الاحتكار وتشريع قانون العمل والضمان الاجتماعي.

عرض مقالات: