كان المفكر اليساري الراحل هادي العلوي يتمنى "لو أن البشرية لم توجد على الأرض". وقد قال في كتابه من تاريخ التعذيب في الإسلام: "كلما خضت في تاريخ الهمجية الكبرى ، وددت لو أن البشرية لم توجد على الأرض، وأن الحياة بقيت عند حدود القردة العليا، وذلك لأن همجية الإنسان معززة بوجود العقل المدبر، الذي يفتح أبواب الخيال الإجرامي على مصراعيها، بينما تقتصر همجية الحيوان على تمزيق الفريسة بسرعة تيسيرا لأكلها. ولعل فلاسفة الصين عندما اعتبروا المائز بين الإنسان والحيوان هو الإحساس بالعدل وليس العقل، كانوا ينظرون إلى أفاعيل العقل التي لا نظير لها عند الحيوان غير العاقل".
تُرى أيَّة درجة من الشراسة والهمجية كان يمكن للعلوي ان يحدد ما جرى أخيرا من جرائم ارتكبت بحق العلويين في الساحل السوري الجنوبي، في عنف طائفي وحشي راح ضحيته نحو ألف شخص بين طفل وامرأة ورجل ؟!
طبعا يحيلنا هذا العنف إلى ما حدث عندنا في سنوات الحرب الطائفية، وإلى جريمة سبايكر وقبلها جرائم الطاغية في حروبه البائسة، وفتكه بأبناء شعبه في جرائم حلبجة والأنفال وغيرهما .
لم يختلف الأمر أبدا، وإن حُسبت جرائم الساحل الجنوبي السوري الأخيرة على إنها من أفعال دعاة الدين من " الجهاديين" الذين لم يدَعوا أي نافذة للحوار، بل عمدوا الى القتل ولا غير.
وسائل التواصل الاجتماعي عرضت الفضائع التي اقترفها المجرمون، إذ ظهر في أحد فيديوهاتها شاب ملتح يصرخ بصوت مشروخ: "إذبحوا الخنازير العلويين"! وتباهى آخر بفيديوهات عمليات التصفية سواء بالذبح أو القتل بالرصاص. والأغرب أن هذه الفضائع تُرتكب أيام الشهر الفضيل، بأيدي من يدعون الإيمان والصيام والصلاة، ولا أدري ربما اعتبروا عمليات الذبح تلك كذبح الأضاحي بحسب معتقدهم، بل ربما كانوا يذبحون فيما يرددون التكبير والصلوات ، كما شاهدنا من قبل أفعال مجرمي داعش. لا بل ويعمدون الى اذلال الضحايا قبل قتلهم، مطالبينهم بأن ينبحوا كالكلاب قبل قتلهم صارخين بهم: "عوّي ولاك يا كلب"!
لم تتبين بعد حقائق من المعتدي أولا على وجه الدقة، فسلطة النظام السوري الجديد تدعي أن أشخاصا من فلول نظام بشار اغتالوا العديد من عناصر الشرطة والأمن، وأن ما ظهر لاحقا من أفعال شنيعة على شاشات التلفزيون أو عبر وسائل التواصل، لم يكن سوى ردود فعل فردية على الانتهاكات (!) !
لابد أن سمّا أصفر يجري في عروق هؤلاء المجرمين بدلا من الدماء، ولابد ان العنف يشكل سيرة ذاتية لهم باسم المعتقد والدين!