إذا ما بدأنا في الحديث عن جريمة 8 شباط 1963، من حيث انتهى حال فرسانها، وبعضهم أحياء حتى الآن، أو ما انتهت إليه الجريمة في صفحات التاريخ المُعتمدة، فإننا نسجل، بموضوعية مجردة، أن الحدث سجل في مسؤولية المعسكر القومي العربي في مرحلة اتسمت بالهوس الشعاراتي الوحدوي، لزعامات وأحزاب وعقول، تقبلت، أول الأمر، ارتكاب مذابح الشارع بحق الشيوعيين والديمقراطيين وأنصار الجمهورية، وإعدامات مروعة لقادة سياسيين، وتحول أبنية المدارس في بغداد ومدن أخرى إلى أقبية تعذيب وموت للنساء والرجال. حدث ذلك، قبل أن تبرئ فئات قومية نفسها مما حدث وتترك لحزب البعث القابض على السلطة المضي في دروب الجريمة حتى سقوطه بعد عام أمام حكم عساكر قوميين، كانوا بلا برنامج ولا قاعدة ولا مقومات إدارة بلد حطمه انقلاب شباط.
على أن المفارقة السوداء تتمثل في ما يشبه الكابوس، حيث يعود ورثة الانقلاب، بعد خمس سنوات فقط، إلى القفز من على حائط المستحيل للسطو على السلطة مجددا بشعارات المراجعة الكاذبة والاتعاظ الزائف مما حدث من جرائم.. ثم.. انكفأوا إلى حُكمٍ اتسعت فيه بركة الدم والحروب والاعدامات مما لا سابق له في التاريخ الحديث.. فهل كان ذلك التاريخ يغطّ في النوم؟