كلّنا شاهدنا الفلم المصري "كركون في الشارع" بطولة عادل إمام ويسرا، الذي يتحدّث عن أزمة السكن ومعاناة الناس وهم يبحثون عن سكنٍ هنا وهناك دون جدوى!
ويذكّرني هذا برجلٍ كان يعيش في مدينة الفاو ــ مسقط رأسي وطفولتي وصباي ــ يدعى مرزوق العبد، فهو كان أسود البشرة يعمل حمّالاً ينقل المؤن والأثاث بعربته الدفع ــ عربانة مرزوق. كانت العربة هذه بيته وملاذه أيضاً، وكان هو أميناً ونزيهاً ومخلصاً في عمله، وحييّاً لا يرفع عينيه أمام امرأة. ورغم إدمانه الخمرة كان أهل الفاو يحبّونه لأمانته وشهامته.
في عام 1977 حينما أجري تعداد السكّان في ظل حظر للتجوال، كان مرزوق ذات مرة جالساً في عربته وواضعاً رجليه على إسفلت الشارع. جاءه رجال الأمن وقالوا له: ألا تعرف أنه حظر تجوال؟ أجابهم بعد أن ادخل رجليه في العربة: نعم، لهذا أنا جالس في بيتي.
وقد كتب عنه القاص البصري عبدالحسين العامر قصة، كانت عنوانا لمجموعته القصصية التي صدرت قبل سنوات: "مرزوق والخطوات الضائعة"!
تذكّرت الفلم وحكاية مرزوق وأنا أسمع وأقرأ أخباراً عن نيّة توزيع قطع أرضٍ هنا وهناك، وتمليك بيوت التجاوز كما يدّعون ، لكنني لم أرَ لحد هذه اللحظة أحداً من زملائي استلم قطعة أرض أو تملّك بيتاً. أغلبنا يعيش في بيتٍ للإيجار، ويصاب بالحيرة والتعب النفسي كل شهر وهو يفكّر بكيفية جمع مبلغ الإيجار ليظل مستقراً بعض الوقت. وعند التأخير يهددك مالك البيت بالطرد، كذلك حال ساكني التجاوزات اضطراراً، تهدّدهم الحكومة بين آونة واخرى بالطرد. وعليه سنجد أنفسنا وعوائلنا في الشارع ذات يوم، وحينها حتى الــ (كركون) لن يمكننا الحصول عليه، فنبقى مشردين بلا مأوى في وطننا!
بلد مثل العراق يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي غير المسكونة، أليس من ألأجدر أن يعيش أبناؤه في بيوت تليق بهم، وهذا حقٌّ لكل مواطن في وطنه ؟؟ لكن المسؤولين منشغلون بأمور تخصّهم ذاتياً ولا يعيرون انتباهاً للناس، بل حتى للمتظاهرين الذين وقفوا بصدور عارية يطالبون بالإصلاح والعيش بكرامة في وطنهم، رغم ما قدموا من قرابين!!
الكثير من شرائح المجتمع كالأدباء والفنانين والأساتذة الجامعيين والموظفين وغيرهم لا يمتلكون بيوتاً، والكثير منهم يسكن في بيوت تجاوز (حواسم) أو إيجار، أليس من حقّهم أن يحصلوا على مأوى في وطنٍ أسكنوه القلب؟!
سؤال سيظل يؤرّقنا جميعاً نحن الذين لا بيت لهم ويدوخون كل شهر بتدبير الإيجار، أو اضطرار السكن تجاوزاً في وطنٍ أعطوه كل شيء ولم يمتلكوا فيه شبراً!
على المسؤولين من رأس الهرم الى قاعدته أن يفكّروا بالناس والوطن وبكيفية إنهاء معاناة هؤلاء قبل كل شيء، وأن لا تكون تصريحاتهم ووعودهم دعاية انتخابية فقط، لأن السكن حقٌّ للمواطنين أينما كانوا ولا يعتبر منّة أو مكرمة يتفضلون به عليهم، كي لا يكون وطنهم عبارة عن ( كركون ) الى الأبد!