اخر الاخبار

ربما يحق لي، في الذكرى الحادية بعد المائة لرحيله، أن أستعير هذا العنوان من القائد البروليتاري الفذ الذي أجمع كثيرون على أنه من أقدر الكتاب في التاريخ على اختيار عناوين مقالاته، خاصة وأنا أحاول أن أتعرف على القلق الذي يلف العالم هذه الأيام، إثر دخول ترامب للمكتب البيضاوي، واتخاذه سلسلة قرارات، جاءت مؤشراً قاسياً على ظاهرة صعود اليمين الرجعي الاستبدادي في العالم.

كتب لينين "الكارثة المحدقة وكيف نواجهها" بعيد ثورة شباط البرجوازية 1917، وفي ظروف اتسم فيها العامل الذاتي بالضعف، نتيجة عجز البلاشفة عن تحقيق شعبية مناسبة لهم، وتدني وعي العمال والفلاحين، إلى الحد الذي منحوا فيه ثقتهم للقوى الإصلاحية المتحالفة مع البرجوازية، فيما كانت الأزمة الاجتماعية تزداد عمقاً ومدافع الفاشيين الكورنيلوفيين تحرق أكواخ العمال الحفاة والجياع. فجاء الكراس يحمل خطة بمثلث متساوي الأضلاع، مثّل الأول مقاربة المشكلة من منظور طبقي واضح، ورسم الثاني برنامجاً ثورياً علمياً لحلها وفضح الثالث زيف الخطط والشعارات الديماغوجية للخصوم، مراعياً مستوى وعي الجماهير وحالتها المزاجية والحاجة للسير بصبر كبير معها والتعلم منها ومن الواقع وكسب ثقتها، دون تقديم أي تنازل، سياسياً كان أم طبقياً.

كثير من اليساريين اليوم، يؤكد على صحة هذه المنهجية في مواجهة اليمين المتطرف، سواء في التعرف على الأسباب التي تقف وراء تأييد قطاعات واسعة نسبياً من الشغيلة له، أو في العمل على تبصيرها بالنتائج الكارثية لأوهامها هذه، وتعبئتها في النضال من أجل استعادة التضامن الطبقي الذي دمرته الليبرالية الجديدة، ومساعدتها في خلق أشكال متطورة من التنظيم النقابي والحركات الاجتماعية، إضافة إلى تشخيص حواضن هذه الظاهرة، والمتمثلة بالنيوليبرالية والأزمة البيئية ومآلات التطور الاجتماعي.

كما يرى هؤلاء في اعتراف اليسار بالفشل النسبي في استثمار السخط الشعبي على العولمة الرأسمالية لصالحه، نقداً ذاتياً ضرورياً لفضح صلة اليمين المتطرف بشركات العولمة المتوحشة ولانتزاع ريادة مواجهتها منه، ودحض ادعاءاته بتمثيل الشعب، والكشف، وعبر نضال اجتماعي دؤوب، عن الترابط الجدلي بين كل من العنف من جهة و تفاقم الاستقطاب الاجتماعي وعدم المساواة والتوزيع الجائر للثروة من جهة ثانية، إضافة إلى صياغة سياسات تنموية حقيقية، تعتمد بناء نظام صناعي وآخر زراعي حديثين والتكامل بينهما وتنظيم السوق والتحكم بالتأثير السلبي للهيمنة العالمية قدر الإمكان.

ولا بد أن يقترن ذلك بدور رئيسي لليسار في تفعيل نشاط الحركات الاجتماعية التي تتبنى قضايا مختلفة في الصراع ضد اليمين الرجعي الاستبدادي وفي قطاعات أو هموم مناطقية أو وطنية أو عالمية، وفي أوقات محددة أو متواصلة. وتأتي المنظمات النسوية في طليعة هذه الحركات جراء العداء المتأصل لحقوق المرأة عند هذا اليمين، إضافة للحركات الديمقراطية والنقابية التي يحاربها ويزدري دورها الاجتماعي، كحماة البيئة والبناة المتطوعين ومنظمات السلام والاتحادات الطلابية والثقافية والرياضية وغيرها.

ويكتسب الوضوح والحسم في رفض مناورات الإصلاحيين أهمية في المواجهة مع اليمين المتطرف وفي تحييد بعض قطاعات اليمين التقليدي والوسط ومنعها من التحالف النفعي معه، لاسيما في ميادين مهمة تتعلق بالسلام وأزمة المناخ والأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية والخدمات الأساسية والتوزيع العادل نسبياً للثروة والحصول على منتجات الثورة الصناعية الرابعة والتعليم التكنولوجي عالي المستوى.

وأخيراً، لا بد من تصعيد الكفاح ضد الحلفاء المحليين للرأسمالية والإمبريالية المعولمة واليمين المتطرف وفضحهم والعمل على إسقاطهم، وحشد كل القوى اليسارية المناهضة لها والتي تتسع كل يوم قواسمها المشتركة، وتتفتح بوحدتها، كوى من نور، ستلتم لتمزق ظلمة الترامبية المتوحشة.

عرض مقالات: