دأبت على استلام راتبي التقاعدي من المصرف بدلا من المكاتب الأهلية. ودائماً ما أذهب للاستلام بعد العاشر من كل شهر تفادياً للازدحام الذي يحصل في الأيام الأولى من الشهر.
أما عدم استلامي الراتب من المكاتب الأهلية، فلأنها تستوفي مبلغاً إضافياً علاوة على المبلغ المخصص لها من الدولة كهامش ربح، وهذا ما أعتبره عملاً طفيلياً، ناهيك عن أن المبلغ المستوفى بهذا الشكل ممكن أن ينفعني في مجال آخر، خصوصاً أن الرواتب ما عادت تغطي الاحتياجات الفعلية للمواطنين، بسبب تزايد جميع الأسعار، والأمثلة على هذا الموضوع كثيرة جداً ولا داعي لذكرها. فالجميع مكتوٍ بنار الغلاء!
في مصرف الرشيد - فرع شارع الثورة 88، الواقع في بداية "شارع الوطني" في مركز مدينة البصرة، اعتذرت موظفة الصندوق عن صرف راتبي، بحجة عدم توفر النقد الكافي. غادرت وعدت في اليوم التالي، فوجدت قاعة المصرف شبه خالية. استفسرت عن الأمر من الشرطي المناوب، فأجابني: "ما عدهم فلوس"! عدت أدراجي من حيث أتيت.
في اليوم الثالث راجعت المصرف مجددا، وإذا بالمشكلة ذاتها، الأمر الذي أدهشني جداً. كيف يسمى مصرفاً ولا تتوفر فيه النقود؟!
عدت في اليوم الرابع، وكان الخميس 16 من هذا الشهر، فوجدت الصرف مخصصا فقط للصكوك المصرفية دون رواتب الموظفين أو المتقاعدين. عندها لم أتحمل الأمر فراجعت مديرة المصرف، وبدورها وبكل هدوء قالت: "سنحل الموضوع في الأسبوع المقبل". كررت سؤالي عن سبب عدم وجود سيولة نقدية تغطي جميع أنشطة المصرف، ولماذا تُفضل الصكوك على الرواتب. وكانت إجابتها ذاتها. ثم سألتها عن جهاز الصرف الآلي الموجود عند بوابة المصرف. فأجابت: "راح نحط بيه فلوس الأسبوع الجاي"!
في جميع بلدان العالم، حتى المتخلفة منها، يتم الصرف في أغلب الأمور عن طريق أجهزة الـ (ITM) المتواجدة في الساحات والمحتشدات والأسواق، ناهيك عن توفر الأجهزة الأخرى، مثل (POS)، في المتاجر والمحلات، إلا العراق. إذ لا يزال بعيدا عن مواكبة تلك الأنظمة المصرفية. لا بل وصل فيه الأمر إلى خلو بنوكه الرئيسة من المال!