اخر الاخبار

كلنا، نحن الاقتصاديين  والمهتمين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي، ندرك على وجه اليقين  الأهمية التي تلعبها الحسابات الختامية في فضاءات الموازنات السنوية واستراتيجيات التنمية المستدامة والكشف عن عمليات الفساد في نهب النفقات سواء أكانت تشغيلية او استثمارية  التي تظهرها الموازنات السنوية،  فضلا عن الإخفاق في تحقيق البرامج التي تخططها وزارات الدولة، وفي كل عام تتذرع بمختلف الأسباب لتبرير فشلها، ولا يمكن ألقاء اللوم بالدرجة الأولى إلا على السلطة التشريعية التي تجاهلت هذه القرينة الدستورية الرئيسية للموازنات السنوية التي يقرها مجلس النواب.

  فمن جهة فإن مجلس النواب  وهو السلطة التشريعية المخولة بإقرار الموازنات السنوية بعد إرسالها من الحكومة، ويعرف المجلس أن إقرار هذه الموازنات يتطلب تنفيذ المادة الدستورية 62/ أولا التي تلزم تقديم الحسابات الختامية التي تعدها وزارة المالية مع هذه الموازنات بدون تجزئة،  وليس هنالك محلا للاجتهاد في التفسير او الاجتهاد،  ولو افترضنا من باب الجدل ليس إلا، أن  لهذا النص الدستوري إمكانية الاجتهاد فكيف يجوز الامتناع عن تنفذ قرار المحكمة الاتحادية الصادر عام 2023 باعتبار أن قراراتها ملزمة لكافة السلطات وفقا للمادة 94 من الدستور، ومن  جهة أخرى تصرح وزارة المالية أنها قد أنجزت الحسابات الختامية لسنتي 2017 و2019  واصفة إياه بالإنجاز غير المسبوق مع العلم أنها سبقت أن أنجزت هذه الحسابات لسنتي 2012  و2015،  ولكن هل يتوافق هذا الانجاز مع النص الدستوري أو قرار المحكمة الاتحادية إن لم يجر تدقيق هذه الحسابات من قبل ديوان الرقابة المالية؟

 ومن الحق التساؤل أن رئيس مجلس النواب وعلى سبيل المثال ليس أكثر، قد أعلن في السابع عشر من شهر ايلول 2014 عن وصول الحسابات الختامية لسبع سنوات مضت، وبناء على ذلك يعتزم البرلمان وضع استراتيجية تشريعية للسنوات المقبلة. وبالنسبة للسادة النواب كالاقتصاديين كانت هذه الحسابات قضية مثيرة للجدل، فمعظم الموازنات العامة الاتحادية كانت تشرع بغياب الحسابات الختامية، ولعلها في كل مرة كانت نقطة الضعف الأساسية في إقرار هذه الموازنات كونها تحمل معها مجموعة من المجاهيل عن كيفية إنفاق التخصيصات المالية للموازنة السابقة وما هو الحجم الحقيقي للعجز او الفائض وكيفية التصرف بالفائض وما هي الأبواب التي صرفت إليها النفقات المالية، وفوق هذا وذاك نسب الإنجاز للوزارات العراقية مع أن وزارة التخطيط تنشر بين الحين والآخر نسبا متدنية للعديد من الوزارات ما يعبر عن فشل أداء تلك الوزارات دون ان نسمع عن مساءلة الوزارات الفاشلة وهذا نقص آخر في أداء مجلس النواب  بوصفه جهة رقابية.

ومن الجدير بالذكر أن الحسابات الختامية والتقارير المرافقة لها تظهر على وجه اليقين وحسب قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 المعدل  الفوارق بين إيرادات الميزانية المستحصلة والنفقات من جهة وبين تمويل العجز واستخدام الفائض كما تظهر القروض السنوية للحكومة الاتحادية وقروض الحكومات الإقليمية والمحافظات والحكومات المحلية فضلا عن الضرائب والمساهمات الاجتماعية والمنح والإيرادات الأخرى بما فيها مبيعات النفط وبيع الموجودات غير المالية بالإضافة إلى السلف ما سدد منها  وما لم يسدد، وبعبارة أخرى فإن تقارير الحسابات الختامية تستهدف إظهار الوضع المالي للدولة وهذا ما لم يتحقق في كافة الموازنات العامة التي شرعها مجلس النواب على امتداد دوراته السابقة. فهل نستطيع القول إن الوقوعات المالية للدولة ذهبت مع الريح ومعها ذهب المتسببون في الهدر المالي والفاسدون الذين لم يكونوا افرادا على عدد أصابع اليد بل أخطبوطا فوق دائرة الحساب المعاقبة.

  إن تقارير ديوان الرقابة المالية للسنوات السابقة تكشف حركة التدفقات النقدية وتؤكد أن العديد من الوزارات لم ترد على هذه التقارير مما يتعذر والحالة هذه المصادقة على الحسابات الختامية. كل ما تقدم يلقي على الحكومة مهمة تشديد الرقابة والمحاسبة وفقا للقوانين النافذة وأن تعتمد سياقات جديدة في النظام المحاسبي من أجل الحفاظ على المال العام.