قديما قالوا ، التواني إضاعة ، وإضاعة الفرصة غصَّة. وأن تصنع نقطة مضيئة داخل المجتمع، فتلك شجاعة باهرة ..
وتعني المبادرة في اللغة الحركة والسرعة والتبكير في تنفيذ أمر ما.. مثلما تعني خطة أو إجراءً جديدا، يسعى لتحسين شيء ما أو حل مشكلة طواعية، من دون انتظار دعوة من أحد.
وبتدشين عامنا الجديد أملا في أن يكون أفضل من سابقه، آن
لنا السعي لإطلاق المبادرات، ولإضاءة شمعة بدلا من لعن الظلام.
فكم نتحدث في مجالسنا حول تشخيص سلبيات الواقع ونواقصه واحتياجاته، لكننا لا نسعى فعليا للمساهمة ولو بجزء بسيط، في حلحلة البعض منها وإن كانت بسيطة غير معقدة.
المبادرة الفردية مثلما تُعرَّف هي"فكرة تنطلق من عقل خلاّق وتنبثق من حدث معين، لتحوّله إلى فعل يؤدي دورا في إحداث تأثير ما، في حياة أشخاص أو جماعات" .
وهذا ما أقدم عليه فعليا الشاب أيسر علي الكرمنجي، بفتحه صفا تعليميا لغير المنتظمين بالدراسة مجانا وعلى حسابه الخاص.
فبعد قدومه من المهجر خارج العراق، ساءه ان يشاهد أطفالا مشردين يبيعون أشياء رخيصة عند محطات إشارات المرور أو في الطرق الخارجية. تعرَّف على ظروف الكثير منهم ممن أجبرهم الفقر على مغادرة المدرسة ، مثلما لاحظ الكثير من الأطفال العرب (من السوريين خاصة) اللاجئين، لم تتحقق لهم للأسف فرص الالتحاق بالمدارس الحكومية في أربيل مثلا، بينما تقبلهم حصرا المدارس الأهلية ذات الأجور الباهضة.
وبرأس مال متواضع سعى الكرمنجي لاستئجار صف في معهد تعليمي، اختصارا لروتين ومبالغ الحصول على إجازة خاصة لمشروعه، وجمع نحو سبعة عشر طفلا فقيرا، بعضهم أيتام تتراوح أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة، في مبنى المعهد التعليمي الأنيق ، ووفر لهم وسيلة نقل من أماكن سكنهم إلى المعهد وعودتهم أيضا، لثلاث مرات أسبوعيا.
واعتمد في منهاج الدروس تقديم المعلومات الأساسية حول اللغتين العربية والإنجليزية ، فضلا عن درس في الحساب والرياضيات، يحاضر فيها مدرسون شباب أكفّاء، إلى جانب تقديم وجبتي طعام.
في زيارتي لهذا الصف في مدينة أربيل، حزنت جدا حين أجابوني على سؤالي عن أهمية التعليم بالنسبة لهم، إذ ركزوا على مساعدتهم في تعلّم اللغة الانجليزية خصوصا، وفي التعامل والتصرف في مطارات العالم ولغاتها المختلفة حين يحصلون على فرص الهجرة!
وطبعا هناك من انتظر أهله مدة سبعة عشر عاما ولم يتحقق له الفوز بالفرصة، وبالنتيجة ضاع مستقبل الاولاد من دون تعليم، ولا توفرت لهم مستلزمات الحياة الضرورية اللائقة.
والغريب ان الكرمنجي صاحب المبادرة، شدد في النهاية على ضرورة مساهمة رجال الأعمال بمثل هذه المبادرات "التي لا تكلف أكثر من عشرة آلاف دولار سنويا"، متمنيا عليهم الاقتداء بتجربته ونشرها في كافة أنحاء العراق. فيما لم يتذكر وزارة التربية والحكومة، ويطالبهما بتنفيذ واجبهما الدستوري في احتضان الاطفال وتربيتهم وتعليمهم!