اخر الاخبار

يعاني العراقيون، منذ العام 2003 وما قبلها، من تدهور مريع في أمن الطاقة الكهربائية، وظلوا يعقدون الآمال على النظام الجديد في معالجة الأزمة التي تلاحقهم سنة بعد أخرى وفي كل دورة حكومية، يسمعون التصريحات المتكررة وأكثرها ابهاما. والذي يثير الغضب هو عشرات المليارات التي أنفقت على ما زعم حلا جذريا لأزمة الكهرباء وتوفيرها بما يسد الطلب عليها غير أن ما يسمعه العراقيون من تصريحات تزيدهم حيرة وعجبا، فكل وزير يتقلد منصب الوزارة يلقي باللائمة على من سبقه فمن هو المسؤول إذن؟

أثناء زيارة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى العاصمة الألمانية برلين في كانون الثاني 2023، وقّع وزير الكهرباء زياد علي فاضل، مذكرة تفاهم جديدة مع شركة سيمنز الألمانية، تستهدف مواصلة التعاون مع الشركة في مجال إصلاح الكهرباء في العراق وتطوير هذا التعاون، حيث أصبحت الشركة فاعلاً أساسياً في هذا القطاع منذ عام 2008. وفي شباط 2023، وقَّعت حكومة السوداني على مذكرات تفاهم جديدة مع شركة جنرال إلكتريك (جي إي) الأمريكية لغرض تطوير المحطات الكهربائية وصيانتها.

أثارت المذكرات مع الشركتين تساؤلات حول البُعد السياسي لهما، خصوصاً في ظل تنافس غير خفي تدخلت فيه أحياناً حكومتا الولايات المتحدة لصالح "جي إي"، وألمانيا لصالح سيمنز، ودار جزءٌ من تلك التساؤلات حول ما الذي يمكن أن تُغيِّره هذه المذكرات في واقع الكهرباء في العراق، نظراً لأن الشركتين تهيمنان على قطاع الكهرباء، في ظل استمرار المشاكل الهيكلية التي تسببت بأزمة الكهرباء.

لقد أنفق العراق 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء ذهب اكثر من نصفها في صورة استثمارات في انشاء محطات توليد جديدة فيما الجزء المتبقي من المبلغ المذكور لأغراض تشغيلية أبرزها الرواتب والوقود  واستيراد التيار الكهربائي من دول الجوار وفقا لهذه الأرقام وخاصة بجانبها الاستثماري، كان بالإمكان انتاج اكثر من 40 ألف ميكا واط بما يكفي لسكان العراق بما فيه  الزيادة الحاصلة بعد عام 2003 والبالغة 25 مليون نسمة غير أن الواقع وحسب تصريحات وزارة الكهرباء فان إجمالي الانتاج وصل إلى 23 ميكا واط وعاد الآن لينخفض إلى 18 ألف ميكا واط نتيجة لعدم التزام الطرف الإيراني بالعقد المبرم حول تزويد العراق الكميات المبرمة في العقد من الغاز والتيار الكهربائي سواء للأسباب صيانية للطرف الآخر أو أية أسباب أخرى فان العراق غير مسؤول عنها. على أن هناك عقودا أخرى مع مصر وكوريا الجنوبية وإيران تتعلق بتزويد العراق توربينات سيمنز وكانت التوربينات مصممة على أساس أن تعمل بالغاز مع أن العقود نصت على استخدامها الخام والوقود الثقيل مما ترتب على هذه المخالفات إطالة ساعات التنظيف والصيانة وما يتبعها من زيادة التكاليف.

وزارة الكهرباء كانت جزءا من المشكلة وتتحمل الجزء الأكبر من الأزمة فلم تكن فقط بخيلة في تجهيز المواطن بما يسد حاجته من الطاقة الكهربائية فقط وإنما ايضا تركته فريسة لجشع أصحاب المولدات الأهلية التي تبتز ما لا يقل عن ثلث دخل المواطن العراقي وأنها رغم ذلك كانت جزءا من الحل، إذ كيف سيكون حال المواطن لو لم تكن هذه المولدات التي يزيد عددها أكثر من 4000 مولدة، موجودة؟ غير أن غياب الرقابة على إدارة عملها من قبل المحافظين كانت السبب في سوء خدماتها فإن محافظة بغداد على سبيل المثال تطلق بين الحين والآخر تعليمات تحدد أسعار الأمبيرية حسب حجم ووقت الخدمات التي تقدمها غير أن أصحابها لم يلتزموا بتعليمات المحافظة بحجة أن الوقود يشترى من السوق السوداء ولم تجهز بالوقود الحكومي وهذ إشكالية أخرى توضع على طاولة المساومات.

إن عمق الأزمة وتفاقمها يتطلب مراجعة شاملة لسياسات الوزارة وإجراءاتها منذ عام 2003 من خلال الابتعاد عن الإجراءات السطحية وضبط إدارة الأموال المخصصة لها عن طريق الابتعاد عن العقود الوهمية والدقة في تقدير قيمها والتعاقد مع الشركات الرصينة بعقود ملزمة والإشراف الحكومي المركزي على عمل الوزارة.