يمكن القول، من خلال قراءة للإصلاح الاقتصادي، الذي تبنته الحكومات العراقية المتعاقبة، ما يستدعي الكثير من التساؤلات، حول المآلات التي وصلت اليها التدابير والإجراءات المتخذة في هذا الإطار مع أنه سواء نجحت تلك الحكومات او أخفقت فان عملية إصلاح ومعالجة أمراض الاقتصاد العراقي تبقى الاستراتيجية الوحيدة والرئيسية الثابتة والمستمرة على المدى الطويل. ومهما يكن من أمر فان الإصلاح الاقتصادي المنشود يبقى معلقا بإرادة وإصرار الحكومة في الوصول إلى اقتصاد متطور في مختلف القطاعات.
ففي نظرة متبصرة لواقع الاقتصاد العراقي يمكن توصيفه بكونه اقتصاد قائم على بيئة أعمال متردية لا دور للقطاع الخاص في تدوير عجلة الاقتصاد، اقتصاد يتبنى القطاع الخاص بإجراءات شكلية مع إهمال شبه تام للقطاع العام من الناحية العملية مع وجود شكلي للقوانين والتشريعات الباقية من النظام السابق، اقتصاد استهلاكي قائم على نمط استهلاك غير مسبوق دون ان يكون للإنتاج دور، اقتصاد يعين اكثر من 5 ملايين موظف بإنتاجية تكاد تكون معدومة، اقتصاد يشوبه الفساد وعدم الشفافية واللامساواة في الفرص، اقتصاد لا يمتلك استثمارات أجنبية وغير قادر على اجتذابها". والارتفاع غير المسبوق بالنفقات التشغيلية لتصل بنسبة نمو في النفقات الجارية فاقت الـ 30 بالمائة وتراجع الايرادات بنسبة 16 بالمائة يبرز السؤال الأهم هل اقتصاد العراق أمام أزمة أم انهيار؟"، مع أن” عوامل ديمومة أي اقتصاد تعتمد بشكل أساس على تنوع مصادره والسيطرة والتخطيط لنفقاته".
ويمكن الإضافة إلى ما تقدم استمرار بالطابع الريعي للاقتصاد، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتراجع كبير في الصادرات وعجز في الميزان التجاري فضلا عن شبه انعدام في تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عن طريق الاستثمار او النشاط المصرفي وارتفاع في حدة البطالة وتصاعد نسبة الفقر إلى ما يزيد عن 35 بالمائة تحت خط الفقر وهذه النسبة في تزايد مضطرد إذا أخذنا في الاعتبار تزايد العوائل النازحة التي تزيد عن ثلاثة ملايين حسب إحصائيات منظمات الأمم المتحدة.
ولنتوقف قليلا عن السياسة النقدية وما لها من فعالية في عملية النمو الاقتصادي، فلا تزال قيمة الدولار في تزايد ومن الصعوبة بمكان السيطرة عليه يقابله انخفاض في قيمة الدينار العراقي حتى أصبح الدولار هو السائد في المداولات النقدية في السوق بخلاف الكثير من دول العالم التي تعتمد على عملاتها الوطنية في عمليات التبادل مع ما يرافق ذلك من ارتفاع في مستويات الأسعار وما ينتج عنها من أعباء اجتماعية متعاظمة شديدة الوطأة على المواطن العراقي، وهنا يحق التساؤل عن نتائج توريد الدولار عبر المصارف العراقية في الخارج التي تحدث عنها محافظ البنك المركزي في 24 تشرين الثاني من عام 2023 وتأكيداته بشان انتهاء إجراءات فتح حسابات بالدرهم الإماراتي واليورو عبر تركيا وما هي نتائج الاجتماعات الدورية الفصلية بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي ووزارة الخزانة الامريكية التي كان الهدف منها حسب التصريحات، تنسيق الإجراءات بشان التحويلات الخارجية بما يؤمن سلامة النظام المالي خاصة بعد تطبيق النظام الجديد للتحويل الخارجي ؟
وبناء على ما تقدم ومن أجل الشروع بعملية إصلاح حقيقية لا بد من الأولوية لإصلاح النظام السياسي أساسا، فالسياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد وعملية إصلاح الاقتصاد طويلة ومعقدة وأنها تبدأ بالكف عن التصريحات غير المنتجة، وتتطلب سن التشريعات والقوانين الناظمة للنشاط الاقتصادي فضلا عن وضع برامج قائمة على أساس بيانات ومعطيات دقيقة ، تأخذ بالاعتبار التحديات التي تواجه الاقتصاد بكل أبعاده لمعالجتها استنادا إلى سياسات واضحة بما في ذلك النظامان المالي والنقدي ووضع الآليات المناسبة لغرض التطبيق القائم على الابداع والابتكار والتركيز على القطاعات السلعية وإيجاد مصادر جديدة لتمويل الموازنات ومراجعة دقيقة للنفقات التشغيلية والاهتمام يسوق العمل وتنظيم عملية التشغيل وحركة العاملين للحد من معدلات البطالة وإيجاد البيئة المناسبة للاستثمار، والأهم من كل ما تقدم الانقضاض على آفات الفساد وغسيل الأموال وهما أكبر معوقين للإصلاح الاقتصادي.