بالرغم من مضي أكثر من ثماني عشرة سنة على تشريع قانون الاستثمار في العراق إلا أن الهدف من التشريع ما زال يدور حول نفسه بالرغم من أن البلاد بأمس الحاجة إلى ذلك النوع من الاستثمار الذي يتناسب مع تلبية تلك الحاجة وطبيعة الموارد الطبيعية المتوافرة تحت سطح الأرض وفوقها رغم كثرة ما بحثه الاقتصاديون وذوو الشأن بأهمية الاستثمار من حيث الشكل والمحتوي وفاعليته التنموية.
لكن المتابع حول شكل تطبيق مضمون الاستثمار كما ينبغي ويتلاءم مع طبيعة الموارد المتاحة والمفضية للاستثمار يلاحظ أن البون بينهما شاسعا، فعلى المثال وليس الحصر حسب آخر التحليلات قد انخفضت قيم الاستثمار إلى 1.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، مع أن حاجة العراق للاستثمارات تفوق 88 مليار دولار لتحسين البنية التحتية، وهو واحد من أبرز أشكال معوقات الإخفاق. وحسب مؤشرات مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2023 يحتل العراق المرتبة 157 من أصل 180 دولة.
غير أن مما يلاحظ على التوجه للمشاريع التي تطرح للتنفيذ عن طريق الإحالة المباشرة مع استثناءات عديدة في تنفيذ العقود الحكومية والغموض في ابرام هذه العقود مع الإشارة إلى ارتفاع تكاليف التنفيذ ما يشي باحتمالات الفساد في هذه العقود، ومن بين هذه المشاريع مشروع المترو عن طريق إحالته للاستثمار الخاص بالتعاقد مع شركة ماليزية بالمشاركة مع شركة لبنانية رغم أن هذا المشروع الذي تمتد جذوره إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي وكان مطروحا بعد عام 2003 بتمويل حكومي، هذا إضافة إلى الاتفاقية التمهيدية الموقعة بين مجموعة موانئ أبو ظبي مع الشركة العامة لموانئ العراق سيتم بموجبها تأسيس مشروع مشترك لتطوير ميناء الفاو الكبير وأية توسعة إلى جانب المنطقة الاقتصادية المحاذية للميناء، وكان من المفروض دعوة أصحاب الاختصاص الاكفاء واشتراكهم في مناقشة الخطط إلى جانب ممثلي الدولة في البرلمان ومجالس المحافظات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني .
ومن الجدير بالذكر أن جغرافية العراق مشهود لها بتنوع القطاعات الاقتصادية الخالية من الاستثمار سواء القطاع الحكومي أو القطاع الخاص بنوعيه الأجنبي والمحلي وهي بهذا التوصيف بحاجة إلى عمليات الاستثمار واستحالتها إلى قطاعات منتجة، ومما يعيق هو قلة التخصيصات الحكومية في الموازنات السنوية التي تتركز على النفقات التشغيلية، سواء كانت أراضي مشبعة بالمعادن الثمينة المطمورة او المكشوفة كالكبريت والفوسفات والأحجار الكلسية المطمورة تحت الأرض، أو فرصا أخرى للاستثمار التي تجد تجلياتها في المشاريع أو المصانع المنتجة ولكنها متعثرة بسبب ضعف السيولة المالية، فعلى سبيل المثال 240 معملا صناعيا، وبعضها بحاجة إلى تأهيل كقطاعات السياحة و65 شركة قائمة، ويمكن دراسة شكل الاستثمار سواء في الإدارة والتسويق أو المشاركة وفق عقود شفافة إلى جانب الكثير من الفرص الاستثمارية، غير أن المعوقات التي توجه عملية الاستثمار في هذه القطاعات قلة التخصيصات المالية في الموازنات السنوية التي تتركز في الجانب التشغيلي اكثر بثلاثة أضعاف الموازنة الرأسمالية، ولهذه فان أي توجه للاستثمار سواء كان أجنبيا او محليا يشترط أن يكون هو الممول لرأسمال المشروع دون الاعتماد على الدولة إلا في التسهيلات التي تتطلبها المشاريع من قاعدة تحتية او طاقة نظيفة وما إلى ذلك، بخلاف ما يجري حاليا في قطاع العقارات التي تعتمد القروض الحكومية. إن مراجعة آلية الاستثمار تتطلب روية اقتصادية وخطة علمية نذكر منها:
- إعداد استراتيجية اقتصادية مختلفة عن غيرها مدعومة بإطار تشريعي يكون الأساس لأي برنامج حكومي تعتمده حكومة نزيهة تركز على قطاعات الإنتاج والطاقة النظيفة واعتماد النافذة الواحدة في منح الرخص الاستثمارية.
- توفير الشروط الأمنية التي توفر أجواء الاستقرار الأمني وتحصين المشاريع من تدخلات المنظومات المسلحة والعشائرية عبر فرض الإتاوات.
- إعادة النظر في سياسة الاستيراد ومعالجتها عن طريق المشاريع المنتجة لنفس البضاعة خاصة الاستهلاكية ونصف المصنعة.